|
صورة المرأة في القصص الإفريقية
إن البلدان ذات التقاليد الشفاهية العريقة هي ذات البلدان التي اكتسبت منذ آلاف السنين أدبا
غنيا بالقصص الشعبية والحكايات المثخنة بالخيال الجمعي ، بالأساطير ، بالخرافات وبأعراف السلوك الإنساني العام …
في الكثير من القصص المتنوعة المنتقاة من طرف جماعات البحث في الآداب الإفريقية ، تظل صورة المرأة وعلاقتها بالرجل ، بالأولاد وبالجيران وبالمجتمع عموما ، تشغل حيزا هاما جدا انطلاقا من موقعها ورؤية الآخر إليها وانطلاقا أيضا من وظائفها في المجتمع . إنها كانت وستظل العماد الأساس وحجر الزاوية في الأسرة .
تأسيسا على كل هذه الإعتبارات أصبحت المرأة الإفريقية موضوع بحث على المستوى الأنتربولوجي والإجتماعي والإثنوسيكولوجي .
وقد تمت أشغال هذه الأبحاث تحت إشراف وإدارة مختصين في المجالات المعرفية السالفة الذكر ومن بين هؤلاء ( فيرونيكا كوروك كارادي ) ، ( جيرار مايير ) و( كلام كريول ) الذين وضعوا التعارض ( امرأة / رجل ) في إطار تكامل على صورة المفهوم الثنائي للعالم .
ويبدو هذا التصور جليا في قصص ( بامبارا ) الأسطورية حيث التكامل واضحا خصوصا عند ( دييتيرلان )
بواسطة مؤسسة الزواج ومن جانب آخر فالحكايات والقصص التي تحدثنا عنها تحدد وضع المرأة بالإستناد إلى روابط وعلاقات الشر الدائمة والمتلبسة بثقافة ومتخيل مازال حاضرا في جزء كبير من المعتقدات الذكورية الإفريقية .
كيفما كان موقع الكاتب ، فغالبا ما يقدم المرأة في القصة الإفريقية ككائن مقهور ، وضيع من زاوية نظر الرجل الذي يهيمن على سلطة الحكي الشفاهي والفعل الثقافي ككل . وهذه حقيقة لامراء فيها ، ففعل الحكي لذا قبائل ( الملانكي ) محصور في المجتمع الذكوري ، بينما يقتصر دور المرأة على الشذو والطرب والرقص … لقد كان
ومايزال دورها تقليديا ويبرز هذا بوضوح في رواحها ليلة زفافها للعيش في كنف عائلة الرجل حيث يتوجب عليها أن تبدي الكثير من الطاعة والصبر والإقبال على الأشغال المنزلية والفلاحية .
يقول ( روني لونو ) الذي أمضى سنوات عديدة بين بعض القبائل الإفريقية : (( تعيش المرأة الإفريقية غربتين ، فهي من جهة غريبة وسط عائلتها لكونها سوف تغادرها يوما ما إلى بيت الزوجية ، ومن جهة ثانية هي غريبة في عائلة الرجل وعليها أن تبذل الكثير من العمل والجهد وتخضع لأوامر أصهارها .
لقد عاشت كل نساء العالم تحت سلطة الرجال بما هي شرائع حيف وغبن واستبداد ذكوري بما في ذلك مجتمعات
الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا … إن بعض البلدان الأوروبية لم تشرع حق التصويت للمرأة إلا أواخر النصف الأول من القرن العشرين .
(( خلق الرجل والمرأة )) هو عنوان قصة شعرية تبين جليا تراتبية وأسبقية الخلق للرجل على المرأة وتحدد
بشكل قطعي علاقته بالمرأة التي عليها أن تتصف بالحشمة والخجل وعليها أن تكتم أحاسيسها ومشاعرها ، عكس الرجل الذي يتملك كل أدوات التعبير والحيوية والسيطرة على اللغة والحركة ، وهذه هي ذات الصورة التي عبرت عنها المقولة الأوروبية التالية : (( للرجل الخطوة الأولى وعلى المرأة أن تتسم بالمقاومة التي تعني الحياء الذي يجعل منها كشريك للحياة طرفا أساسيا )) (( ولهذا فإن الرجل هو من يبحث عن شريكته في الحياة مما يجعل المرأة مرمى له ودورها يبقى استقباليا وسلبيا كما لوأنها ليست في حا جة طبيعية للرجل )) ، وفي حكاية أخرى بعنوان (( قرية النساء)) فالسارد المفترض يتحدث عن تكامل قائم أساسا على هيمنة الرجل ، وهو هنا في هذه القصة التي تنتمي إلى مجتمع من مجتمعات شمال إفريقيا إنطلاقا من علامة سيميائية واضحة ــ الكسكس ــ في هذه القصة على المرأة أن تجيد طبخ الكسكس كمدخل أساسي للزواج ، إنه الشرط الوحيد للنجاح في بيتها المقبل ، أما في قبائل إفريقية سوداء جنوب الصحراء ، فعلى المرأة أن تجيد العزف على المزمار حتى تتمكن من السيطرة على مشاعر وتوقظ نزوات الرجل .
يقدم طبق الكسكس في طقوس غايتها مد الجسور بين النساء والرجال العازبات والعزاب ، من أجل التعارف
والتحضير لعلاقات قد تتطور لتصبح مؤسسات أزواج في المستقبل . وعليه يبقى إتقان وبراعة وجبة الكسكس هي الإختبار القبلي وجواز المرورإلى بيت الزوجية والإنتماء الإجتماعي .
إلى جانب الحكايات التي تطفح بتهميش المرأة الإفريقية والتي تقصي دورها المركزي كمكمل لدور الرجل في السراء والضراء ، هناك في الصورة العكسية شخصيات نسائية لعبت أدوارا ريادية في حياة الرجال والمجتمع ككل ، إنهن عبرن من خلال طريق (( أنتيغون )) و (( وسوفوكل )) .
توجد نساء في المجتمعات الإفريقية قادرات على القيام بمسؤوليات ومهام أقوى صعوبة من مهام الرجال ــ إذا ما اضطر هؤلاء إلى الغياب ــ حتى وهن في حالة الحمل . وهناك العديد من الحكايات والقصص التي تطرقت لهذا الموضوع خصوصا عند قبائل ( مانكو )) في (( الزايير )) الكونغو الديموقراطية حاليا ..
في مقتطف من الحكاية الشعرية (( الرجل والمرأة أو الفهد والنجمة )) يقدم صورة قوية غير مسبوقة عن فكر متفرد ، لانظير له ، فالكاتب يقحمنا في عالم فانتاستيكي من خلال خصائص إنسانية نادرة جدا . وهذا ما يوضح أنه باستطاعتنا تحقيق الشيء الكثير من لاشيء وهذه بعض الأبيات التي تستحق الإشارة :
هذا ما شاهدت / وقعت امرأة حبلى / قالت لزوجها أنها لن تضع في أي مكان / لن تضع إلا على فروة فهد / استطاع الرجل أن يقتل فهدا / احتفظ بفروته / عندما أحست المرأة بآلام الوضع أخرج الرجل الفروة / وضعت المرأة عليها / ماذا صنع الرجل / تسلق أغصان شجرة وهيأ لها مكان هناك للوضع /
يتضمن هذا المقتطف بعض العبارات المتكررة التي تتنافى مع القواعد النحوية والشعرية بصفة عامة . إنه ــ المقتطف ــ يجعل من المرأة الإفريقية مصدر خصب وحياة ، لكنها غير مشبعة بالحب وجريحة في نرجسيتها في الكثير من الأحايين …
|
|