القصة القصيرة الفرنسية

   
 


 

 

الصفحـة الرئيسيـة

مواقعي الإلكترونية

سيــرة

مـقـالات نـقـديــة

=> تأملات في المشهد الثقافي المغربي

=> تعقيب الأستاذعثمان علوشي

=> ولاأشهى أو الكتابة بالبرق

=> مـراتب الغربــة

=> كيف تكتب قصة قصيرة

=> جاليريا بين الرسم

=> بنسالم الدمناتي

=> مجلة كتاب الإنترنت المغاربة

=> أسرارالجنس عند الفلاسفة

=> أفق الإنتظار في ورثة الإنتظار

=> تاريخ الترجمة

=> قصة ذكورة قراءة نقدية

=> هل نخشى على الأدب من العولمة

=> مجلة العربي

=> أي مستقبل للأدب

=> دوريس ليسينغ وجائزة نوبل

=> حوار مع الكاتب الكوبي

=> حتى لاننسى نجيب محفوظ

=> صورة المرأة في القصص الإفريقية

=> بودليرفي باريس .. باريس في بودلير

=> أوروبا الممنوعة

=> حملة من أجل القصة

=> عن الحقد والتسامح

=> القصة القصيرة الفرنسية

=> مقام الإرتجاف

=> القراءة بالمماثلة

=> تكسير الجدار الرابع

=> خطاب التجريب في المسرح العربي

=> مقالات نقدية 2

=> الدخول الثقافي

=> قراءة في رواية ورم التيه

=> القصة القصيرة بين الفانتستيك

=> حكاية نص مريض

=> رواية الحي الخلفي تشكل المكان

=> هاأنت أيها الوقت

=> القصة القصيرة من الرمزإلى الرمزية

=> مدارات الصحو في سقوف المجاز

=> مراتب العزلة

=> الكاتبات العربيات ورهانات الإنترنت

مقالات في الأدب الـرقمي

مقالات في الإعلام والإتصال

قـصص قصيـرة

روايــــة

شـعـــر

صفحة شعراء حقوق الإنسان

eBOOK

بــورتريهـات

حــوارات

شـهـــادات

للإتـصــــال

 


     
 

القصة القصيرة الفرنكفونية
المرجعية ـ إشكالية المفهوم ـ التحولات الإديولوجية
عن : ( الجمعية الفرنسية لنشرالفكرالفرنسي )


موباسان


لامراء في أن الأدب الفرنسي بجميع مكوناته السردية قد بصم الإبداع العالمي بروائع قصصية وروائية ومسرحية لم تطلها يد الدهررغم مرورعشرات القرون على ولادتها .. ولامراء أيضا أن القصة القصيرة الفرنسية قد حظيت بعالميتها (إدغرألان بو _ موباسان _ باربي دوريفيل _ بالزاك _ ميريمي ) وغيرهم ، من خلال العديد من الأضاميم القصصية التي ساهمت في تشكل الوعي الإنساني إذ كان هذا الجنس السردي وعاءا حكائيا لتفجيرما يعتمل من تصورات ورئ في الفكرالفلسفي الفرنسي وحيث كان هذا الجنس السردي أيضا مجالا لتأريخ التحولات الإديولوجية التي شهدتها البنية الثقافية الفرنسية منذ قرنين من الزمان … وتقدم هذه الترجمة التي أطلقتها الجمعية الفرنسية لنشرالفكر الفرنسي ( A.D.P.F ) ؛ دراسة شاملة عن القصة القصيرة الفرنسية على مستوى المرجعية والبعد التاريخي والجمالي وإشكالية المفاهيم وتعددها وأخيرا التحولات البنيوية التي ساهمت في بلورة وعي بالدلالات المهيمنة على النص القصصي منذ بداية القرن العشرين إلى حدود أوائل القرن الحالي .
في التعاريف البيبليوغرافية الأكاديمية ( ديوي ) ( Dewey ) التي تستند إليها دور نشر المصنفات الأصيلة .. نجد تعريفها في
باب الرواية والقصة ، بشكل مقتضب فحسب …أما في رأي النقاد والقراء ، فالقصة القصيرة نوع أو تحديدا جنس سردي ذي أقانيم حكائية محدودة . إن هذه الأقانيم هي أكثر غموضا والتباسا مقارنة مع التحديدات النظرية العامة .
بالنسبة لبعض المهتمين بحقول السرديات ، فالقصة القصيرة الحديثة هي شكل سردي نثري قصير .. واقعي ، لاتقتعد على زمن محدد ..
تمضي دفعة واحدة إلى نهايتها .و بالنسبة للبعض الآخر فهي جنس سردي أحادي الصوت ، ذي حقيقة متفردة ، بينما الرواية فهي متعددة
الأصوات .. في رأي بعض النقاد ، هناك قصة طويلة غيرأنها لاتنتمي لحقل الرواية ، و رواية قصيرة لاتنتمي بالضرورة لحقل القصة. وإذا انتقلنا من هذه التعاريف البسيطة إلى بدايات النشأة فالبعض ينسبونها إلى أبيها الروحي “موباسان” حوالي القرن التاسع عشر.
بعض الأدباء والباحثين يرفضون الحديث عن القصة القصيرة كجنس سردي قائم بذاته … ففي تصورهم لاوجود لقصة قصيرة، هناك فقط كتابات معزولة وغير قابلة للإختصار. وأخيرا نجد كتابا معتدلين يؤيدون المواقف النقدية البينية ويأخذون برأي تعددية الجنس القصصي كماهو الشأن في مجال الرواية على مستوى تعدد الأصوات والأفضية والأزمنة …
القصة القصيرة الفرنكفونية جنس سردي وجيز، متعدد المفاهيم والمصطلحات . جنس سردي مطروق باستمرار، غايته الإفصاح والبوح باعتمالات الذات المنكتبة بأقل رصيد لغوي محتمل …
قصة قصير .. متوسطة .. طويلة.. رواية قصيرة .. “النوفيلا”nouvella … كل هذا الزخم من المفاهيم يكشف جليا عن لبس عام
وشامل ، فالقارئ الذي يدخل عالم القصة القصيرة الفرنكفونية، فإنه من دون شك سوف يضع قدميه على أرض لزجة أوحقل ملغوم بسبب هذا التعدد في المفاهيم وعلى الخصوص مفهوم “النوفيلا والذي لن يغمرنا على ما يبدو برؤية شاملة ونهائية … بل سيكون فقط تصورا
مجانيا يمدنا باختيارات ووسائل للمقاربة غير ذات جدوى ، وسوف تقود المتلقي حتما إلى حزمة من المعلومات التي قد يتيه فيها…
من المفروض إذن أن نحدد تمييزا لمفهوم القصة القصيرة (”نوفيل” nouvelle ). إننا باختصار نتحدث عن الحكي الوجيز .
يقول الكتاب البراغماتيون بالجنس الوجيز( ( genre brefونحن في رأينا نتجنب مفهوم ( وجيز) ، لأنه مبتذل وأجوف …
إذا كان “genre” “جنس” مفهوما مقبولا على مستوى تعددية ونثرية النصوص القصصية فهذا لن يمنعنا من أن نتلمس من خلالها خطوط تقاطعات وبالتالي يصير بإمكاننا أن نقترح لها منظوزا دلاليا شاملا.
إن معيارنا هنا هو القيمة الأدبية الخام للأعمال القصصية . إنها ذات أولوية مهمة جدا وهي التي تحقق للنص استمراريته … وهناك عامل آخر عدا ذائقة المتلقي ؛ فقد يحدث أن لا نتفاعل مع مجموعة قصصية ما دون أن يمنعنا موقفنا القيمي هذا من القول أنها غير قابلة للقراءة ، والكتاب المتألق هو الذي يزداد عشقنا له كلما أعدنا قراءته ، أو قد نعشقه لشكله ولغته وأسلوبه ولقدرته الساحرة على أسرنا أو ربما لهذه العوامل جميعها .
معيار القيمة الأدبية هذا يفسر بل ويعلل انبثاق مجاميع قصصية كثيرة لمرحلة ما بعد 1980 . إن هذا المعيارسوف يسعفنا على مقاربة بعض النصوص القصصية التي من دونها لن يكون باستطاعتنا أن نلامس شكل أو حركية النص القصصي …
يبدو من جانب آخر أننا إلى حدود الآن لم نثر القيمة الرمزية التي هي القيمة المضافة إلى جانب القيمة الأدبية الخام التي تهتم أساسا بعتبات النص (الشكل المادي للأثر، صورة واسم الكاتب ، العنوان ، المرفقات الأخرى…) فبدون القيمة الرمزية لن يكون هناك اهتمام
بالقيمة الأدبية .إن لها تأثير السراب ، فهي تنمي وتثري الرغبة الجوانية الفردية والجماعية، حيث أن فعل القراءة هو قبل كل شيء رغبة تتأثر وتضطرم مثلها مثل الرغبات النفسية الأخرى …لكن يجب ألا نربط أي عمل قصصي بأهمية عتباته فحسب . ويبدو أننا لم نأل اهتماما إلى الآن بالجانب الإقتصادي المادي ولا بعامل التداول أو عوامل سوق النشر . هذه العوامل ليست دائما هي القوة الرمزية للكاتب ، فقد يحدث أن نجد كاتبا مشهورا لكنه معوز في نفس الوقت … فالشهرة ليست دائما علامة على الثراء المادي . وبالرغم من أن القيمة الإقتصادية المادية تلعب دورا هاما في ارتفاع نسبة المقروئية فهي ليست دائما معيارا حاسما للجودة .
وفي نهاية هذا التقديم يجب أن نتوقف عند تحديدين هامين : إن كتاب القصة القصيرة الفرونكفونية هم في الغالب روائيون وكتاب سيناريو أو شعراء … وهذا يدل على أنهم على دراية بمسارات وتقنيات السرود الطويلة … بمعنى آخر أن لهم القدرة على الإنتقال بين النفس
الطويل (الروائي) والنفس القصير (القصصي) حسب ماتمليه عليهم عوالم النص الحكائي .
إن القدرة على النشر تلعب دورا أساسيا في حياة الكتاب . لقد كان القرن السادس عشر زمن نهضة القصة القصيرة بامتياز على صفحات الجرائد . كان عصرا ذهبيا مع إبداعات (فلورانس كويي)، وكان وقتئذ (موباسان) منسجما مع قرائه إلى حد الإنصهار … وكانت القصة المنشورة على صفحات الجريدة تلتزم ب (دفتر تحملات) يوثقها بتيمات محددة وجماليات خاصة .
مع إنشاء جائزة (الغونكور) سنة 1974 حدث الإحتفاء بالقصة القصيرة على مستويين : مستوى صدورها بالجريدة وعلى مستوى إصداراتها كمجاميع قصصية . ومنذ سنة 1979 توقفت جائزة الغونكور عن تتويج القصص الصادرة على صفحات الجرائد بسبب اختلالات عديدة في الإختيارات . وإذا كانت جريدة ( le monde de dimanche ) على مدى ثمانينيات القرن الماضي قد نشرت العديد من القصص على صدر صفحاتها ، فإن وضعيتها المادية قد حتمت عليها التوقف عن هذا التقليد الإبداعي الذي أصبح يعتبر ترفا أدبيا ضافيا، وليس ضرورة ثقافية كما أن المجلات المنفتحة على مختلف أنواع الإبداعات الأدبية قد توارت لتترك الساحة لمجلات
التخصصات العلمية والفكرية والسياسية والإقتصادية . هذه التقلبات البراغماتية والمادية حسمت في دعم الصحافة للإبداع القصصي الذي عرف تراجعا على مستوى النشر الصحفي وبالتالي خفتت أصوات الكثيرمن الكتاب بل لنقل أن هذه الإنعطافة كانت عملة بوجهين، وجه سلبي أشرنا إليه سابقا ووجه إجابي تمثل في تحررهم من ( دفتر التحملات ) الذي تفرضه ضمنيا ضرورة النشر في الجرائد.
انسداد الأفق التواصلي بين القصة وقرائها فتح في المقابل أبواب دور النشر التي كانت حافزا قويا على الإهتمام بجماليات النصوص القصيرة وعموما جعل الإبداع القصصي ينخرط في الرهانات العامة للأدب .
وإذا كانت القصة القصيرة قد انبعثت من رمادها مرحليا فهذا ليس سرا غريبا والسبب الأساسي يعود إلى التطور الهائل في صناعة النشر وليس للكتاب الذين هم في غالبيتهم روائيين والسبب الثاني يعود قبل الحرب العالمية الثانية لدور النشر المتوسطة والكبيرة ، فقد استطاع (بول موران ) من إدارة أشهر دار نشر فرنسية ( كاليمار) وصدرت في عهده سلسلة ( collection ) بعنوان la rennaissance de la nouvelle) ) ، وقد استطاعت هذه السلسلة تحقيق انتشار واسع وهكذا سنرى بعد ذلك بسنوات عديدة منذ 1978 كيف استطاعت داران للنشر هما ( بلان ) ودار ( رامساي ) إصدار سلسلتين رائعتين وشهيرتين هماعلى التوالي : ( l’instant romanesque ) بين سنتي 1978 و1983 و سلسلة ( mots ) بين سنتي ( 1978 و 1992 ) الشيء الذي حقق للإبداع القصصي القصير قوة واحتفاءا لائقين بهذا الجنس الحكائي الرفيع تمثل في عودتها إلى صفحات المجلات وأبهاء دور النشر الراقية.
لامراء في أن التقلبات السياسية العالمية ما بين سنتي 1950 و 1980 قد تسببت في انخفاض وتيرة النشر، فلقد تم نشرمعدل ثلاثين مجموعة قصصية في السنة تقريبا وخمسين مجموعة قصصية في السنة مابين سنتي 1978 و1980.
ومنذ سنة 1985 وبالتئام الجهود تم إصدار معدل تسعين مجموعة قصصية في السنة . ومنذ 1992 وبسبب أزمة بداية التسعينات انخفضت الإصدارات إلى خمسين من جنسي القصة والنوفيلا ، أما في سنة 1999 فقد بلغ عدد المجاميع القصصية 120 استجمعت جلها من روائع المسابقات الأدبية في القصة .
إن عودة القصة القصيرة إلى رحمها على صفحات الجرائد والمجلات الموسمية وخصوصا الصيفية منها فرض مرة أخرى إرغامات ما سمي ب ( دفتر التحملات ) والإذعان لطلبات سوق القراءة …
هذه الشروط البنيوية والمادية بالأساس خلقت لعالم الأدب منطقه الخاص . فقد أصبحت صناعة الكتاب هي من لها القوة والقدرة على قبول أو رفض الأعمال الأدبية والتيارات الفكرية وأصبحت هي الناقد الأول قبل الناقد المتخصص والحكم الأخير الذي يوقع على مصيرها إلى سوق القراء أو إلى سلة المهملات…
هذا الرصد الأولي يعد أساسيا وتوطئة للعملية النقدية التي سنباشرها في الأعمال القصصية الحديثة. ولكي نحقق هذه الغاية عمدنا إلى تجزيء هذه الحقبة إلى مرحلتين : ما بعد الحرب العالمية الثانية بين 1950 و 1980 ثم ما بعد 1980 إلى أواخر القرن الماضي.و سنعتمد في هذه المقاربة النقدية على مبدعي القصة القصيرة الذين هم في نفس الوقت روائيين .
جل النقاد يتذكرون إشكالية السرد في الرواية الجديدة ، البدايات ، السياقات ، والنهايات الإستشكالية ، المستحيلة : (بيكيت) و (بينيي) على سبيل
المثال … كتابات (بيكيت ) المتشظية حيث الصوت يمضي إلى حدود التجربة الوجودية … ولكل ما سبق علاقة رمزية بموضوع الإنسان الآتي من جحيم الحرب العالمية الثانية … الإنسان المدمر ووريث سؤال العصر القلق … السخرية وواقع العشق الأول للكاتب ( بيكيت ) أنتجا كاتبا آخر هو ( كافكا ) . في هذه المرحلة ظهرت أيضا القصص اللاواقعية ل ( روني بيليتو ) والتي أعيدت قراءتها من جديد وهي تصب في نفس المجرى التجريدي ونسوق هنا مثلا قصة (la vie révée ) ، وخلافا لهذا أصدرت ( ناتالي ساروت ) في سنة 1980 نصوصا قصيرة ذات أصوات متعددة في مجموعتها القصصية ( l’usage de la parole) .
بعد الحرب العالمية الثانية استمر رفاق السريالية في مساراتهم الإبداعية مثلما هو الأمر عند ( أركون ) في إبداعه القصصي ( mentir_
vrai )الذي يمزج بين القصة ومطلع الرواية ومغامرات اليومي ( le quotidien ) وأفكار مختلفة حول كتاباته ما بين سنوات 1960 و 1970 . ونفس الأمر بالنسبة ل ( أندري بيير ) و( مانديارك) في قصصه الإيروتيكية التي استلهمت من ملامح السريالية أجواءها السردية و(هنري طوماس ) أيضا في ( حصون نتردام ) سنة 1977 ، وأخيرا ( كينو) في أضمومته ( حكايات ومراسلات ) بين سنوات 1922 و1971 التي تميزت بمسحات السريالية التجريدية المتعالقة مع منمنمات شكلية … عكس ( جوليان كراك ) الذي ظل وفيا
لقصيدة النثر ( الرامبالدية ) أو السريالية . وبعد هذه التجربة توقف في نصف المسار السريالي كي يستلهم إبداعاته من التيار الكلاسيكي الذي ينشغل بالجانب الشكلي خصوصا في رواياته وقصائده النثرية . أما بالنسبة ل ( جوليان كرين ) الذي تراوحت كتاباته اللاواقعية بين الشعور بالذنب والوازع الروحي ؛ فقد ساقته تجربته هاته إلى ارتياد عوالم الفانتاستيك ونعطي مثلا هنا بقصة ( le voyageur sur la terre ) .
في كتابه اللاذع ( la litterature à l’estomac ) الصادر سنة 1950 رام ( كراك ) أساسا أدب الإلتزام .. أدب ال ( لا) بمعنى رفض
العالم ، رفض الشعور بالذنب والقلق الوجودي… فقد استطاع أن يضع فرضية (الإختيارات) من خلال خطاب صريح وواضح مفاده أن الشعر قد تقهقر بعد الحرب العالمية الثانية ، وأنه قد أصبح أكثر ( سوداوية ) برفعه لشعار ال ( نعم ) ولقبوله اللامشروط لمظاهر عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، و جاء هذا التيار( السارتري) ــ نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي الوجودي ( جون بول سارتر) ــ لفرض هذه ال ( لا ) ضدا على الشعر السائد زمنئذ .
كان هذا النداء أكثر صراخا لدى ( جون جيونو) من ( كراك ) . فقد واصل في أعماله النثرية المتألقة و الرائعة توجهه بين القصة
القصيرة والقصة المتوسطة . هذا الإختيار أظهر هشاشة مفهوم ( قصيرة ) خصوصا في عمله القصصي ( la solitude de
pitié la) . أما الكاتب ( لويس روني دي فوري ) في نصوصه الخمسة (la chambre desenfants ) فقد ربط بين الإنطباعية المغرقة في الذاتية وبين معنى الزمن والمتخيل .
تفضح قصص الحرب والمنفى ل ( بيير كاسكار ) بعنوان ( النساء ) سنة 1955 أقدارا درامية ضمن تاريخ جماعي ، إنها قصص تتقاطع مع سينما الواقعية الجديدة . واستمرارا لخط الرواية والسينما السوداوية الفرنسية بين الحربين نعثر على قصص بوليسية ل ( جورج
سيمون) إو ( الفصول الأربعة ) ل ( أنطوان بلودان ) ، إنها مجموعة من الصور الإثنولوجية للحياة الشعبية حيث ا لشخصيات ذاعنة لأقدارها …
ودون ( هنري بورات ) بين 1950 و 1960 ذاكرة المحكي الشعبي القاتم بحس قوي بنهاية مرحلة ، أو بالأحرى بنهاية حضارة تحتضر كان من الأولى الحرص عليه .
كانت سنوات الستينات والسبعينات حقبة الماركسية واللينينية والفرويدية والبنيوية . كانت عصر الإحساس بالذنب … وعصر النقد الجديد
العصر الذي استند إلى حكايات وقصص القرون الغابرة_ ( بوكاس) و ( بالزاك )_ من أجل تشكيل نماذج للسرد الفرنسي ، غير أن الكتابات القصصية الراهنة قد أهملت هذا الصنف من الأعمال السردية الكلاسيكية .
وتميزت فترة الثمانينات بتراجع الرواد الطليعيين وإعادة صياغة الأسئلة الملحة حول تجريب أشكال سردية أخرى ، وتميزت أيضا بتحولات في الملامح الثقافية الأوربيةعموما مع هبوب رياح الدموقراطية والبيريستريكا على المعسكر الشرقي … وبنهاية مقولة ( الحداثة )
بعد رحيل مفكرين متألقين أمثال ( سارتر) و ( بارت ) و ( فوكو) وتميزت هذه العشرية أيضا بتجاوز مفهوم مابعد الحداثة (لجون فرانسوا
ليوتار)إنها إذن مرحلة ما بعد الماركسية ، مابعد الفرويدية ، ما بعد البنيوية … وقد ظهرت مجلات مثل : ( le debat ) سنة 1980 التي
كان يرأس إدارتها ( بيير نورا ) ، كما أن مجلات ( tel quel ) و ( change ) ذات النزعة البنيوية غيرت تصوراتها وعناوينها فأصبحت على التوالي : ( l’infini ) و ( change international )
إنه في العمق تحول في علاقات القوى . فقد أصبح الأدب أقوى من التيارات الفلسفية السائدة ( philosophisme ) في الأعمال الفكرية عامة .
إن عودة السرد بقوة للساحة الفكرية كما أكد ( بول ريكور) في 1984 بعد أن اعتبر طيلة العشريتين السابقتين مجرد مفهوم متجاوز وفاقد
للصلاحية ( perimée ) يرتبط أساسا بالعودة لسؤال الذات مع ظهورانطلاقة جديدة للسيرة الذاتية خصوصا عند الروائيين الجدد . ولقد رأينا في هذه العشرية الثمانينية عودة لعامل المؤلف بعد مقولة ( موت المؤلف ) التي أطلقها ( رولان بارت ) وعودة للمغامرات الخيالية والعشق العنيف العابر … عودة لأهمية الشخوص والرغبة في الحكي … وظهرت في هذه المرحلة كذلك مجلات أدبية جديدة أرخت لهذه المنعطفات والتحولات : (Grande) 1982 و( Breve ) 1980 و( nouvelle nouvelle ) 1986 و( Ecrire aujourd’hui ) 1985 و( Etat des lieux ) 1982…
إن هذه العودة إلى السرد القصصي والروائي ليست ثورة محافظة كما قال ( بيير بورديو) بل إنها مرتبطة بالتمركز الرأسمالي في عملية النشر الذي اهتم قبل كل شيء بالمردودية المادية المحضة … وقد تجلى هذا خصوصا في أواخر الثمانينات إذ انقلبت توجهات دور النشر رأسا على عقب ؛ من الإهتمام بالنص السردي إلى الإهتمام بالمال ، ومن الإهتمام بوجهات النظر إلى التدبير التجاري .
مما لاشك فيه أن الأعمال الأدبية سابقة زمنيا على نظرية الأجناس ؛ وبعض النقاد المهتمين بالقصة القصيرة ( روني كودين ) مثلا يقرون أن القصة القصيرة ليست جنسا سرديا منعزلا ، قائم الذات بتقنياته وعوالمه وعوامله … ومنذ 1980 تفككت علاقة المحايثة بين ما هو نظري وما هو تطبيقي ، فلم تعد القصة واقعية كما كنا نظن بل صارت فانتاستيكية ، غرائبية ، و لم يعد لها هدف تتغياه وأخيرا لم تعد وجيزة كما هو شكلها وكما هي روحها بل ظهرت في التسعينات أعمال روائية بمساحات سردية أقصر من القصة . وقد لاحظنا منذ
سنوات موجة ما سمي ب (النوفيلا عموما نزوعاقويا لتجريب أشكال سردية بسيطة . هذه الإنتاجات القصصية الطويلة
والتي تستشرف مستويات السرد الروائية والتي سبقت الإشارة إليها آنفا ;وتم تداول هذا المفهوم الجديد خصوصا في البلدان اللأنكلوسكسونية منذ عشرات السنين للإشارة إلى أشكال قصصية متوسطة الطول والتي تتموقع على مستوى اقتصادها اللغوي بين القصة والرواية كما قال
جيرارجيلبسي) ولم يقتصر الكتاب في فرنسا على ارتياد هذا الجنس السردي بل أصبحوا يتداولونه في في الصالونات الأدبية .
هذه ( النوفيلا ) الجديدة صارت حقلا ثريا ومختبرا للتجريب على مستوى القصة الطويلة أو الرواية القصيرة .. إنها نتاجات قصصية أو روائية في حجم 80 ورقة ونسوق هنا مثال قصة ( accident de parcours) ل ( روجي فيريني ) و ( le jour ou Beaumontfit connaissance de sa douleur ) ل ( جون ماري ) و ( les fenètre aux ombres ) ل ( مارك بوتي ) .
هذه التجارب القصصية تعبرعن ا أشكال ( ممسوخة) أو قصص بأشكال مشوهة تفتقد لأسماء خاصة . ونعطي في هذا السياق مثلا
بقصة: ( la tablette de buis d’Aproninia Avitia ) ل ( باسكال كانيار) وهو عمل قصصي من ثلاثة وستين ورقة والذي يعبر بحق على نهاية الأمبراطورية الروائية باعتماده على المذكرات اليومية المتشظية على شكل قسيمات ( tablettes ) . ماذا عسانا أن نسمي هذه الثلاثة والستون ورقة ؟ إنها ليست عملا روائيا بكل تأكيد وكل ما يمكن أن نقول عنها أنها إبداع خيالي من جنس ( النوفيلا ).
( conte، fable، recit، histoire ) ليست جميعها سوى أسماء متعددة لشكل واحد هو السرد الوجيز، وإلى حدود أواسط التسعينات سجلت ندرة في إصدار المجاميع القصصية بمختلف هذه المستويات السردية السابقة الذكر ونسوق هنا مثالا واحدا ( l’occupationdes sols ) للكاتب (ean echenoz ) ؛ فهذه القصة لاتتجاوز سبعة وعشرين صفحة فقط ؛ وهذا دليل صارخ على نوايا المؤازرة المادية والثقافية من بعض الناشرين ليس إلا… إن تقليص شكل القصة مقارنة مع ( النوفيلا ) و( الرواية القصيرة) فرضته إكراهات قنوات التواصل …. فالمجلات ترغم على الكتاب ضمنيا ألا يتجاوزحجم العمل القصصي خمسة أوراق ؛ والمسابقات القصصية تطالب بأقل من عشرة أوراق ، والكتاب المدرسي يحصر عدد الأوراق من خمس إلى عشر ، وأعمدة الجرائد بين ثلاثة وعشر أوراق ، بل إن بعض الكتاب قد انكمشت قصصهم إلى أقل من خمسة أسطر حسب القصة وجوها العام وهكذا فقد نجد قصة مكونة من خمسة أسطر كما هو الشأن عند ( دانييل زيميرمان) ) عن حرب الجزائر(nouvelle de lazone interdite) أو في القصص الإيروتيكية ل ( جاك سطامبير) تحت عنوان ( histoire amourire de vous ) وإجمالايمكننا القول بأن كل قصة تفرض مساحتها السردية ومسافتها الزمنية على الكاتب .
من اليسير على المرء القول أن لكل قصة تيمتها وهمومها المفترضة والخاصة التي قد لا تكون مواضيع لعمل روائي ما . إن (قصة_ اللحظة ) nouvelle-instant ) ) كما سماها بين الحربين العالميتين القاص ( مارسيل أرنولد ) لاتحمل بين تلافيفها أية محكي
واضح ، ومع هذا فإنها تترك فينا انطباعا وإحساسا بالغين خصوصا في قصص ( كريستيان باروش ) ضمن أضمومته القصصية ( chambres avec une vue sur le passé ) أو عند ( آني سومون ) في مجموعته القصصية ( moi les enfents j’aime pas tellement ) أو عند ( كلود بوجاد رونو) في vous éte toute seule ) أو عند ( ميشيل دولوناي ) في سيرته ( l’ambiguité est le dernier plaisir ) وأخيرا في مجموعة سرود قصيرة ل ( جورج بيروي ) في ( l’herbe tendre) .
إن رؤية الكاتب للعالم هي التي تحدد مسافة السرد في أي إبداع قصصي كما أكد ذلك ( بروست ).
يبدو من خلال كل ما سبق أن هم القصة وناشغالها بالدرجة الأولى هو أن تمتلك شكلها الخاص والمتفرد الذي يميزها على أي نص سردي قصيرأوطويل . هكذا واستنادا إلى الأفق التجريبي استطاع القاص ( لوديفيتش جانفيي) أن يختم نصا قصيرا بنفس العبارة التي استهله بها (لقد صرخ أحد ما ) ضمن مجموعته القصصية ( breves d’amour ) مما طبع النص بشكل دائري ، لولبي . وفي الأخير يمكن القول بأن القصة القصيرة هي فن الإيجاز والتجريب بامتياز.
إذا كانت القصة القصيرة و( النوفيلا) تتجددان بدافع رغبة مضمرة ، جوانية لدى الكاتب ؛ فإن الأثرالقصصي أي ( الكتاب) أوالمجموعة أو الديوان القصصي يتجدد هو بدوره تحت إكراهات خارجية… فصناعة النشر ومستلزماته القاسية في أحايين كثيرة تشعل لدى المبدعين المعوزين هما وقلقا واضحين . إن لعبة الحكي والقص تقتضي شاء المتلقي أم أبى أن يقرأ القصة القصيرة منفردة ومعزولة عن سياقها العام في إطار المجموعة ككل ، إلاأن قدرها هوصدورها بين دفتي الأضمومة الشيء الذي يفقدها الكثير من الإنتماء والإنسجام ؛ وتشكل هذه الإنعزالية إشكاليات جمالية تتبدى في غياب الجسور التيماتية بين النصوص مما يؤثر بعضها على بعض سلبا لاايجابا في غالب الأحيان .
إن الناشر الحاذق ، اللأدرى بخبايا مهنته وتقنياتها الفنية ، يستهل دائما المجموعة القصصية بنص أونصين جيدين ومتألقين ، ثم يستدرج النصوص الباقية اعتمادا على تراتبية تخلق في المجموعة ككل دينامية تذكي شهية القراءة . أما بعض الكتاب فقد ذهبوا أبعد من هذا مثل ما
فعل ( دانييل بولونجي ) حين عمد إلى خلق بياضات ضئيلة بين النصوص القصيرة … هذه البياضات ( الفراغات ) هي التي شكلت الإسمنت الذي يلحم كل الأجزاء . في جانب آخر ولتجنب هذا التنافر بين النصوص القصصية وضع بعض الكتاب وحدة بنيوية لمجموعتهم القصصية ، لتصير متآلفة ذات فضاء سردي أوحد وشبكة من الأشياء والشخوص المنسجمة ونسوق هنا مثال ل ( بول فورنيل ) في مجموعته القصصية ( les petites fillesrespirent le méme aire que nous ) حيث للديوان القصصي شكله الخاص به وحركيته الداخلية ومستواه العام .
أخيرا فالديوان القصصي في رأينا هو سلسلة تمارين سردية وفية قبل كل شيء من أجل تحديث النص كما رأينا في سنوات السبعينات .
من المعلوم أن كوكبة جيل الرواد كانت قد توارت عن المشهد الثقافي والأدبي أواخر السبعينات أي قبل التحولات الإديولوجية التي هبت على المعسكر الشرقي بداية ثمانينيات القرن الماضي سوى في حقل قصيدة النثر . وقد برز ثانية مفهوم ( الطليعة ) في خطابات ( بورديو ) كمفهوم منقذ من فخاخ الماضي ضمن جهاز مفاهيمي واسع : ( التقدمية ) ، ( التجديد ). ..إلخ وبصفة عامة طلع على القراء إبداع قصصي في هذه الفترة متحللا من هذه المفاهيم … بل صار الكتاب يقرون بمقولة ( البحث ) و( الخلق ) والتجريب برؤية مهنية صرفة .
وبالرغم من هذا التحلل وهذه ( الثورة ) النصية لم تخل القصص القصيرة من ( بصمات ) و( آثار) جيل الرواد بين سنوات الستينات والسبعينات ونسوق هنا كتابات ( جون بيير بالب ) على سبيل المثال لا الحصر .
مارس ( جود ستيفان ) عملية الهدم في قصة ( triestine ) المقتطفة من المجموعة القصصية ( le nouvelliste ) باعتماده على علامات القوسين والعارضة والقواعد النحوية اللاتينية الضمنية . أما ( دونيس روش ) فقد وظف تقنية ( calligramme الكاليغرام ) أي التعبير عن موضوعة قصة ( cinquieme journée ) بلوحة تشكيلية تحيل عليها في مجموعة ( l’hexameron ) . تتألف قصص ( برنارد ) الطويلة نسبيا من جملة فريدة موقعة بفواصل … إنها جملة لبطل مفقود وتائه .. جملة تتردد مثلما هو الأمر عند
(جويس) … وأبعد من ذلك نجده في نصوص ( آلان فليشير) حيث الترديد والصدى العميق للجملة له وقع السخرية في قصة ( la femme qui avait deux bouches. وخلافا لكل ما سلف نجد آثار الكلاسيكية بادية هنا وهناك في بعض القصص البوليسية حيث هذه البصمات تنصهر في عملية الهدم المستوحات من السرد المتشظي ( fragmenté ) في قصة لدى ( فريدريك فيجاردي ) أو عند الكاتب ( دينانك ) في ديوانه القصصي الموسوم ( en marge ).
لن نعود إلى أشكال المجموعات القصصية التي فرضتها تقنية الباقة _ اللأضمومة _ ولن نعود إلى تحررالكتاب من إرغامات ( دفتر التحملات ) … إلا أن التحول الذي طال صناعة النشروإنتاج الكتاب دفع بالقصة القصيرة سنوات الثمانينات والتسعينات للبحث عن هندستها وشكلها الذي تحدث عنه الناقد الأنجليزي ( Franck Kermod ) عندما أثار مسألة القدرة على التوافق على شكل قصصي محدد ، والذي
يندرج في إطار الوظيفة( التسامحية) لفعل الجماليات في الفن والأدب وبذلك ستمتعنا القصص بأشكال ذكية ومتفردة .
هناك بعض الأشكال القصصية المستلهمة من السرد ، التصاعدي ، التقليدي ؛ أشكال دائرية ، حيث النهاية تعود لتلامس البداية مثلما هو الشأن في قصة ( le verger ) ل ( جورج أوليفيي ) . إنها أشكال داخلية تجعل من القصص دوائر موسيقية ذات ترديد على مستوى وحدات الجمل وبعض المفردات .
تعتبر مسرحة النص القصصي خاصية مستهجنة للنص باعتبار أن المكونات السردية المؤثرة في المسرحة أنا المتكلم ، البطل الواقعي ، السيناريو، الحوارات ، وحدة الفضاء ، الديكور) ، لاتتمظهر دائما بالشكل الذي نريده ونستحسنه . إن النصوص التي تلبست بمسوحات المسرح ؛ جلها خضعت من خلال مسرحتها لتكييف تسطيحي ، مبتذل ، خلق في جسدها تحولا شاملا للفعل الحكائي . إن تضخيم الأحداث وجعلها عمودا فقريا في مسرحة النص ليست دائما بالضرورة ملائمة للنص القصصي القصير . نفس الشأن بالنسبة للقصص البوليسية الممهورة في ميثولوجية الأفلام الأمريكية التي كثيرا ما تراهن على لعبة الإستنساخ والنكرار العقيم ونسوق هنا كمثال على ذلك قصة(le
hongrois tenor ) للكاتب ( باتريك رينال) . أيضا متحت ( القصص السوداء ) من أدوات المسرح وارتكزت على المثولوجية الأمريكية.
تقدم القصص القصيرة الحديثة أشكالا عديدة من لاواقعيتها ، فالخيال العلمي الذي يتموقع بين العجائبي و(الكتابة السوداء) يأخذ المتلقي عن طريق سيولة سردية تمزج بين الكلمات والصور ونعطي في هذا السياق على سبيل المثال قصص (une mort bien ordinaire) للكاتب
(جون بييرأندروفون)وقصة (histoires a mourire debout ) ل ( مارسيل شنايدير) وقصة ( le pont renversé ) ل ( هوبيرحداد) . إن هذا المنحى العجائبي الذي تغذى من الموروث الأدبي الفرنسي خلق العديد من حالات التردد وعالم من الللايقين الميتافيزيقي كما هو الأمر في قصة ( je suis le gardien du phare ) ل ( إيريك فاي ) و( le jardin dans l’ile ) ل ( شاتو رينو ) ، أو حالات التباس وغموض في المباديء الكونية كما هو الشأن في قصة ( lejour de ma mère ) وهي ( nouvella) للقاص ( جويل شميدث) .
وقد يذهب الفانتاستيك إلى استلهام خوارق أمريكا الجنوبية التي يمتزج فيها الحلم بالموت والجنون كما في حكايات الكاتبة الأرجنتينية ( كلوريا ألكورطا) في أضمومتها القصصية ( le crime de Dona Clara ) أو يمكن أن يستلهم أيضا من الواقعية السحرية كما في
المجموعة القصصية (le jardinier ) للقاصة ( دومينيك مينار ) .
ما من شك في أن تيار السيرة الذاتية كان قد اكتسح أيضا الأشكال القصصية القصيرة ، حيث ال ( أنا ) التذكرية حاضرة بقوة في قصص (vous souvenez vous de moi ) للكاتب ( ميشيل مانيير) أو في كتابة الشهادة ( temoignage ) ل (إريك هولدير) في أضمومته ( la belle jardiniere ) أو حضور اليومي ( le quotidien ) في قصة ( une questionimportante ) المقتطفة من المجموعة القصصية ( trop sensibles ) ل ( ماري ديسليشن ) . لكن خارج هذه الأصوات الأتوبيوغرافية القصيرة نجد تعددا على مستوى الإفصاح بالأنا المتكلم أو النحن في وضعيات مختلفة ولاواقعية … هذه ال ( أنوات ) تلعب دورا تقنيا فقط ، دورا مجانيا …لأنها ضحية مطالب شمولية للشخصية الساردة . إننا نتردد في ربطها بكونها مطلبا لبديل روائي له ملمحه الخاص والأصيل .
هذه النصوص المتوارية في عمق الذاكرة القصصية .. ذاكرة الموروث الجمالي والأدبي .. ذاكرة الإنبعاث الداخلي لأشكال السرد القديمة التي أشرنا إليها آنفا كلها تجسد الحاضر في عمق الماضي . استعادة الماضي ليس شيئا جديدا في الأدب الفرنسي . إنه يفتح عين المتلقي على لعبة الذاكرة المنكتبة منذ سنوات الثمانينات في إطارالسرود الطويلة ( روايات تاريخية، سير ذاتية ..إلخ ) أو حول سؤال اللغة والكائن الجمعي …
إن العودة إلى الماضي في أبهاء الكتابة القصصية يعني الرفض المنهجي للرواية المشفرة التي يتم تداولها في سوق النشر وقاعات القراءة .. إنها تدل أيضا على أن الرواية الجديدة في العشرين سنة الأخيرة الموسومة بالإنزال النظري الكثيف والمرعب كانت السبب في تعطيل مقاربة الرواية الشاملة إن الفنان التشكيلي ( بول كلي ) اعتبر هذا النزوع إلى الماضي مثل الرجوع إلى نقطة البداية عندما نصطدم بممر مسدود .
 

 

 
 

 

 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free