حكايـة نص مريـض
وسؤال الحداثـة
إلى الأب ادريس الخوري
بعد (حزن في الرأس وفي القلب 1973) (طلال – 1977) (البدايات -1979) (الأيام والليالي -1981) (مدينة التراب 1988) إضافة إلى كتابات حول المكان (فضاءات -1990) يعود القاص ادريس الخوري بمجموعة قصصية موسومة ب (يوسف في بطن أمه). فضاء حكائي تؤثثه وحدتان متميزتان:
1- الوحدة الأولى: موضوعة (الواقعي / اليومي) بتجليات المادية والمجردة (فضاءات –قيم – أفعال –ردود أفعال..)
2- الوحدة الثانية: موضوعة الكتابة بكل تداعياتها الإبداعية والمعرفية والاستتيقية.
وسنحاول من خلال هذه القراءة المقتضبة إثارة سؤال الحداثة الذي يطغى على متون الموضوعة الأولى (حكاية نص مريض بكلية الآداب) علما أن مختلف المتابعات النقدية قد اهتمت أساسا بنصوص الموضوعة الثانية.
يختزل ادريس الخوردي مسار تجربة القص المتعبة والطويلة بكل احباطاتها وانكساراتها في ثلاثة نصوص وتتضامن كلها في بعد معرفي –جمالي مأزوم يروم الإفصاح بشكل واضح عن مكابدة الذات لحظة الاختمار من أجل هدم جدار الخطاب الحداثي الراهن، حيث يتفجر قلق الإبداع ليحول النص إلى أسئلة ضمنية تتغي تفجير الذات المتكتبة. (ثم ما الحداثة التي لا تفنى، وما هو الآن مستكين إلى مغاراتها وسراديبها وذبائحيتها وأنثويتها المنظلمة) ص4. يتحول سؤال الحداثة إلى قطب رحى في قصة (حكاية نص مريض) حيث (كان النص واضحا مثل الشمس إلى أن جاء أطباء متحزجون من باريس وفتحوا في جسده شروخا كثيرة بحثا عن يؤر مجهولة. ومن يومها قرر النص أن يعالج نفسه بنفسه كلما ألم به داء ما وأن يكتب نفسه بعيدا عن التشريح والوصفات الطبيعة، يومها استراح ص6) صورة للسخرية والبار وديا العارية التي تصير مكونا محوريا نصيا يحكم تجربة وعي الكاتب/السارد بأزمة النص/نصفه وسلطة النص الجاهز على مقاسات الوصفات النقدية الحداثية وبالتالي فهو عبارة عن "إعلان أو بيان" عن وفاء الخوري لميثاق الكتابة الواقعية التي سيدت بينه وبين النص منذ أكثر من عقدين علاقة حميمية ونوستالجية واعية. إنها إذن محاولة لنسف عن سبق غصرار وترصد للمرجعية النقدية –التنظيرية التي تنضد متون النصوص الراهنة المطبوخة في دوالب المختبرات السردية وتحاصرها بقائمة من الأرغامات والمحددات الغريبة فقد (كان فرحا بتشكله على الصيغة التي أرادها هو لاكما أرادها له الآخرون. ص4).
ويطفح متن (حكاية نص مريض) بتشكيلة من المصطلحات والمفاهيم النقدية المتداولة (الانزياح- خاصية التناص- التبئير-الفانطازيا-الغموض- الحداثة –الميكانيزمات المتحركة إلخ) إضافة إلى أسماء أعلام النقد الأدبي العالمي (جيرار جينيت-تودوروف- ميخائيل باختين). الشيء الذي جعل من هذه القصة جوابا شبه –نقدي في لبوس قصيي يحدد من خلاله الخوري نوعا من المصارحة والمكاشفة (وهكذا قرر أن يترك الأدوية جانبا لأنها تشتت تصوراته نحو نفسه ونحو العالم المحيط به وبعد أسبوع عاد إليه صفاؤه وتوازنه النفسي ص6).
وصل ختاما لنطرح سؤالنا المحوري:
إذا كان الوعي بالحداثة يختلف عند الخوري عما يموج به محيط الإبداع القصصي راهنا فأين سيموقع كتاباته في ساحة مسكونة بنزعة إقصاء لكل نمطية وثبات على الثبات؟
عبده حقي / فاس.
|