الدخول الثقافي
أن ندخل معناه أن نقطع مع فضاء خلفي لنطرق رحابة قضاء آخر مغاير بهندسته الفيزيقية أو الفكرية / الرمزية ومتمايز أيضا بحركيته الجوانية. بالفتها. تناسقها وهناءتها التي تمنح الكائن الربيط عمقا حيزيا متجددا بجدوى الكينونة وبرغبة للعوم في مجرى النهر اليومي المتدفق نحو المستقبل.
حين يغلق الصيف شمسيته وينفض عن قدميه آخر حبات الرمل العالقة بهما... حين تجمع حقائبها الأيام لتنخرط من جديد في هدير الباصات وسباق المسافات عند الظهيرة... ينتصب سؤال "الدخول" مثل بوابة تاريخية عريضة وحتمية.. حين يدير الصهد باسترخاءاته وبطئه يصير "الدخول" عنوانا لأهزوجة ترددجها كل الأعمار والشرائح والدوائر لتتنوع إيقاعاتها بين دخول سياسي ودخول إعلامي ودخول اقتصادي ودخول رياضي ودخول جامعي ودخول ثقافي... إلخ.
سوف لن انحشر في مالا دخول لي فيه وسأكتفي بدخول أكوان الثقافة. وبما أننا على أبواب دخول فلاحي فتقليب تربة الثقافة وهي تتاهب للدخول في برنامج مفترض في آخر أنفاس هذا القرن... ونحن أيضا على عتبة الدخول إلى الألفية الثالثة نتساءل بدءا متى يخرج الكائن الثقافي من مأوى ثقافته حتى يكون له "دخول" يستدعي من جميع الوكلاء الثقافيين ترتيبات تنطبع بتنظيف المكاتب وفتح أبواب الفروع (إذا توفرت هذه الفروع على مقرات دائمة) وإيقاظ الأقلام من قيلولتها اللذيذة على أسرة الرمل.
كيف يكون للثقافة زمن للخروج وزمن للدخول؛ شهادة ميلاد وشهادة أفول؟ وأين تتوارى عنا بين هذين الزمنين ثم كيف يرغمها المثقفون على هذا "الكونجي" الصيفي !؟
إن تعطيل المحرك الثقافي وتركينه في مرآب صيفي خاص قد يصيبه بـ "ضربة شمس" أو يحدث في سمائه الساحرة تخاريم بحجم ثقب الأوزون وهو إضافة إلى هذا وذاك شلل يصيب حركية الثقافة مرة كل سنة... كل صيف وبالتالي فتراكم أصياف التعطيل لأمراء أنه سيكون على حساب سيرورة ذاكرة ثقافية تعاني من التقطعات الدورية.
أتساءل كيف يعن للثقافة أن تخرج من أبهائها وفراديسها العدنية؟ وكيف ينخلع المثقفون من بشراتهم الطبيعية ليضربوا عن طعامهم الروحي في فترة عطالة المتلقين ما أحوج صحوها الأديمي وفائض سويعاتها الليلية إلى هبيب الإبداع وأنوار الفكر؟
ليبس لفعل القراءة والكتابة ثقب زمني أبيض أو تقاعد مؤقت... إنها ممارسة يومية قد تعلو أحيانا إلى درجات الغريزة الطبيعية التي تجعلنا نشعر بجلستنا الثقافية بضغط الزمن على برامجنا وبالتالي لا محيد عن تطعيمنا بالجرعات الكافية للوقاية من انهداره في لحظات السهو...
لماذا لا نعلن عن خروجنا الثقافي مع نهاية كل موسم بنفس الاهتمام الذي نعلن فيه عن دخولنا. فتتقدم كل المؤسسات الوصية منها وغير الوصية بمحاصيلها الإنتاجية وتقيم مهرجاناتها التقييمية على بيادر الإبداع وتقدم أيضا بكل شجاعة وشفافية تقاريرها الأدبية والمالية ومواعيدها الآتية... وتجيب على كل الأسئلة الأساسية والمحتملة؟
هكذا إذن كل سنة.. كل صيف.. تتنصل الثقافة من هاجس واجبها اليومي لتسترخي على مقعد "الكونجي" الصيفي، تستعيض عن حبر الأقلام بالمرهمات وعن أوراق الكتابة بأوراق اللعب بل قد تمدد من إجازتها الصيفية.
فهل للثقافة عطلة !؟ وكل صيف والثقافة بخير.