|
|
|
|
|
|
|
|
سوناتا من قبل هذا المكان
من الأجدى ان يتلاشى الصمت الذي تتلبس به طلاوة الجدران ( قلت لها.)
... الرمادي ، يشق أديمه القديم داخل الممرات الجوانية ؛ صرنا نرى الحياة بذات اللون، فما من لون أمامك أيتها المستلقية على شراشف القلب سوى الرمادي .. لذا ها أنت تقررين أن نستنفر العدة كي نمحوالرمادي من جزء كبير من أثوابنا،وأشيائنا.. جزء كبير من خيالناعلى الأصح .
أرتشف فنجان شاي بالنعناع المكناسي و عيناي على الرمادي و الصمت.. . خمنت أنه يصعب علينا أن نلغي الصمت بقلب الرمادي كما تفعل يد بجرة قلم ؛ لكن أي لون هذا الذي سيكون أو سيعلو طلاوة الحيطان ...؟
حين علقت روبتك المشجرة على مشجب الصوان ، سمعت نداءات الليل بها رنين عطرك الشرقي العنيف ورائحة خطواتك على سطيحة (الزليج ) الصقيل.. أدركت أن السوناتا ستبدأ بعد قليل ، وفي تقطيب حاجبيك النونين المعرقين لمحت ذاك القرف من اللون الرمادي الذي يسورنا ويخنق فينا الرغبة في الانتشاء بهذه السوناتا التي نحس كما لو أن (فاجنر) قد ألفها من أجلنا فحسب .. سوناتا مترامية المقامات مثل حقل من شقائق النعمان وزهور المارغريت الآبقة، وأنت تقاومين الفراغ والرمادي ، وأنا أمامك على المقعد الهزازمثل شاعر مترنح ، أدخن لفافتي وأرنو الى ظلينا المتعانقين في غفلة منا على الجدار ، وددت لو فارت منهما نافورة
من قوس قزح وشفطت الرمادي مثلما تشفط مكنسة (فيليبس) الفتات من مسام (الموكيت) ...
حسنا .. قلت: تعلمين أننا لم نطرد من جنائن حلمت بها بيداء النفس من قبل ، بل ألفينا نفسينا نتسكع هنا بين حيطان الرمادي .. ثم ان انغمارك فيما سيأتي كان كفيلا بأن يغشي عينيك عن لعبة الرمادي .. والادهى من كل هذا أنك سابقت الى دق آخر مسمارفي صدري ثم أوقدت تلك الابتسامة الوميضة ، الرعناء وأنت تتأملين لوحة ( الموناليزا) التي كنا قد اقتنينا نسخة لها رديئة من طفلة شقية في مقهى (النهضة) ؛ الطفلة التي تشبه بائعة الكبريت .
أتذكرين تلك الرقصة الشبيهة بعصاب ( الفلامينكو) ونحن نهم بترتيب أول دخلة مثخنة بالأحلام والأوهام الحمقى ؛ قلت حينها : أخيرا آوينا الى بيتنا المتسربل باللبلاب . لست أدري كيف أننا وقت ذاك لم نهتم بالرمادي .. هكذا سهوا اكتفينا بنظرات مارقة ونزلنا الى مساء الشارع المحفوف بالنخيل نتوسم مهرجان الحمام ونترنم مع قدود (الحسين التولالي) في ساحة (الهد يم الباذخة) .. مددت ساقيك الصقيلتين في انتشاء مرح على تيراسة حديقة (الحبول) .. لمحت في عينيك شمس نيسان وشقائق النعمان وأزهار المارغريت و لوحة ( الموناليزا ) مرة أخرى وكأس ( البناشي) بين أصابعك يقاوم كماشة النعومة كي يحط على الشفة المنشدخة بالشهوة السحيقة.
كان المساء يزحف الى التماعات المصابيح و الوشوشات ورنين الفناجين في البولفار...
مسا مساء الخير أيتها السوناتا المندسة تحت أزرار المنانة الدمقسية .. قليل سيتعب الشارع ولا نتعب ، والجلاد (فاجنر) يرج سمفونيته الاخ .بعد الأخيرة .. اتفقنا بل تواطانا مع (فاجنر) فخلنا أن السوناتا تبدأ من صخب الشارع .. مفتاح (صول ) ثم رعد الطامبور و دوي الكو الكونترباس على (الدو) .. كنت المايسترو والجوقة الخديمة في أعماقي كانت مذغانة لاشاراتك الاميرية . قلت في نفسي بكثير من الإغ الإغتباط ( مزيدا مزيدا يا (فاجنر) ومزيدا أيتها السوناتا النيسانية ، وسّعي من أزرار هذه اللحظة ، ودعيني ألوذ الى ظل دمي الذي تلعقه ذئاب الموسيقى .
فاس في أبريل 2003
(عبده حقي)
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|