خلوة رفيعة

   
 


 

 

الصفحـة الرئيسيـة

مواقعي الإلكترونية

سيــرة

مـقـالات نـقـديــة

مقالات في الأدب الـرقمي

مقالات في الإعلام والإتصال

قـصص قصيـرة

=> مهد في مهب الثرثرة

=> مدارج البيت العتيق

=> خلوة رفيعة

=> OK

=> فرفريعلق الجرس

=> ورم الكتابة

=> طلسم

=> الفنان .. كوميديا قصصية

=> ناتالي

=> كأس نزار قباني

=> حروف الفقدان

=> إلى حبيبتي ناطحة السحاب

=> أراجيف الوسادة

=> جسد وظل على خط الإستواء

=> شارب الإنبست

=> علبة بيتهوفن

=> سوناتا من قبل هذا المقام

=> we are the world

=> زهرة النيلوفر

=> الكاتب

=> أوراق من تحت الردم

=> PDGفي إنتظار

=> سوناتا من قبل هذا المكان

=> أعيرهم أجنحتي

=> قناع

=> ماماغولا

=> قيء ليلة السبت

روايــــة

شـعـــر

صفحة شعراء حقوق الإنسان

eBOOK

بــورتريهـات

حــوارات

شـهـــادات

للإتـصــــال

 


     
 


 
خلوة رفيعـة



من خلل السقف القصبي الواهن .. أصخت الى سعاله القديم ، يتسرب الى آدان المساء ، شبيها بخوار أيل جريح.
قلت في نفسي وأنا أقلب أوراق كتاب مغبر ؛ كيف يجرؤ على هدا الانبعاث الفينقي وبهدا الصوت المكلوم .. مع أنه لم يحدث فيما أدكر أن نبس في وجهي يوما ما ؟
لقد كان كعهدي به بين الهضاب القفر والنجود الجرداء الا من أحراش الشيح صموتا منتصبا كأي سارية عتيقة تساوعها الرياح المتوحشة في عزلة خلاء مطلق ويكمن في هيكلها هدير التاريخ …
والآن .. أتنصت الى كعب حدائه ، يطرق بحدة على سطيحة السقف الواهن .. في هدا البيت المعزول .. تحت أقدام الجبل الشاهق .
أتسمع للازمته تدوي بايقاعها القتضب.. فاعلاتن .. فاعلاتن.. فاعلاتن…
_ أتراه قد نهض في هذا الهزيع ليتابع سرد حكايته المحفوفة بالغرابة وخوارق الأزمنة القديمة…
أجدني مرتبقا أكثر من ذي قبل الى أشيائه.. ظله .. زفراته .. ايماءاته المغمورة بهذ يا ن الحكماء الذي يخيل الى جليسه كما لو أنه منعتق من شفتين تحللتا فجأة من أنشوطة عنيدة.
أبعد كل هذه السنين يردم حيطان هذا التكتم الملغز ويفتح لي صندوقه القديم المرصع بالماس والمصوغات الفضية ..
كنت ألفي طيفه يندس في كل التشكلات المرئية ، العابرة منها أو الرابضة مثل شجر العرعار هناك وهناك .
 شفتاه الرفيعتان ، عيناه الجمريتان اللتان كحلهما الامعان الطويل في لذغات العمر .. يده الكبيرة .. اليد الكبيرة المتششقة.. التي تبدو ساعة تعرقها رافلة في لألأة المعجزات…
يجمل بك الآن أن تفصح عن انتفاضك في أغوار النفس ، ويجمل أيضا بطيفك أن يسمعني ملاحمه القديمة ؛ فقد يكون للطيف ذاك البوح الأبلغ من هتاف    الجسد…
أذكر.. كان يمرق مثل النيازك ، مقداما كما عهدته ، من عقال الجبل الشاهق .. حارس التضاريس المعزولة ،المتمنطقة بالاسبلة السريالية ، يعارك الشواهق العنيدة .. أعزل .. عليه دائما جوخه الصوفي الذي تفوح منه رائحة عرق المعارج المتربة ، وحذاؤه المخروم قد خبر الشعاب والفجاج حصاة حصاة حتى خمنا أن للحذاء عقيدة لا يدرك حكمتها سوى الجوالين الساهمين على حد الغواية
وعلى شفير الحافات كان يحتبي .. احتباؤه استراحة محارب أو مجدوب ضليل ..كيما يستغور عوالمه الباطنية أو يتلهى بذر الرماد على قروحه بالساق.
انه ما يزال يتشمم رائحة الحرائق في غابة العرعار ويتسمع بمضاضة لشخير المناشير خلفه وهي توقع سمفونية الذبح على كمنجات الجذوع.
على عتبة البوابة العريضة دات الصخور الصقيلة التى دحرجتها الهزات في عصور التكوين .. كان يقف ليتملى المجاري المتفرعة وحوافر أعقاب العكازات وسنابك الخيول ؛  ثم يخترق عين السور العالي ، ومع ذلك لا أحد منا كان يعلم بمروقه المخفور الذي يشبه اسراء نسيم حثيث ، يدمدم بلغو مبهم قلما يشوبه كلام معلوم . كان يمرق وكنت أرقبه من بعيد ؛ يسكنني وهو شارد في تلك المسالك المفضية الى قمة الجبل السامق حيث يتثائب المدشر على الحيزوم مثل لوحة من لوحات دولاكروا…
ولم أكن أعلم أنه كان يوزع أيامه تحت بحيرة أسطورية تستلقي على كتف الجبل العالي ؛ ولا مراء أنه كان أدرى بانوجاده هنا ك لأن العطش الذي كان يذكي جحيمه الجواني جعله مثل طائر البجع يهتدي الى الترعات المائية بالغريزة.
لم يكن يعبؤ بغضب الانجرافات التي طمست غير ما مرة أحواض الشعير والذرة وعرصات اللوز والأراكة . 
ولما كان الرعد يقصف ، كانو يأوون الى الأدراج الجبلية أو يتسربون كالنمل الى المكامن الدفينة حتى لا تدهسهم عربات الجلاميد النافرة ، أما هو فقد كان يصعد مثل نبي ، يعب شرابه .. كأسه التي تبترد بها غلته..بانتشاء وازدراء بما يمكن أن يحدث ومتى شاء أن يحدث .. غير أن لاشيء من هذا حدث مذ وطئ هذا المدشر في نزوحه الغامض متدحرجا كحصاة لقيطة دون أن يستدير ولو مرة واحدة الى الوراء…
ولم يكن عبور غريب هناك أمرا مألوفا على تخوم السفح الممتد الى أقدام المدينة … حينما نزل هو بهذا المدشر مثل عابر سبيل في بداية الأمر أمسى وليمة لنميمة سرعان ماتناثرت كالنباتات المتوحشة ..و أمسى أيضا ملهاة لطي المسافات على صهوات الغدو والرواح ؛ ربما لأنه كانت تبدو عليه سيماء خبل المجاديب الملتحفين في أردية الصوف .. الذين كانو في عصر الانهيارات يضربون في أرض الله .. هائمون في مفاوز الشرود.. حفاة ..يبحثون عن قبس الكرامات وآلام المجاهدات …
ربما شبه لهم ولذا كانو على الأقل يطعمونه تينا وشعيرا على نور اللمبات أو القناديل الزيتية ، متلمسين في تجاعيد محياه أسرار طالعهم …
كان يرتق الرحيل برحيل آخر ، لعل الهامة تسطع بشمس الاشراق وتلتئم أشلاء الجسد الذي نهشته رياح الشهوات .ولاشك أن سهومه في أقصى ملاذات الخلوة كان اعلانا بذات الشكل عن حكاك ما ضدا على اندحار النفس و تحطيم مرآة الروح بمعاول اللذة … لذا كان المفر حيث لا أحد ولا جحيم ،ضربا من ضروب الاحتجاج الروحي بتشريدالجسد الآبق .
 ترى ماذا خسر هناك ، خلف هذه الأطواد وبأية غواية أبحر الى أرخبيل هذه العزلة القاسية؟؟
متى فكر في أمره ، كان يحتد هذيانه فيلتف على نفسه بنفس الكلام ورجع الصدى .. يعب شرابه المقدس ويهمل السؤال.
أذكر كان مساءا باردا ،قارسا و قاسيا جدا ،وكان  نداؤه البعيد يستدرجني كالمتسرنم الى مأواه الرهيب  هناك على حيزوم الجبل العالي… جعلت فجأة أنمق الكلام وأرجع لازمة بعناية الاطفال ، بدا لي مقتعدا في ظله صخرة صقيلة ؛ حين رفعت عيني رأيت سحابة قيد التشكل على هيأة حصان
خرافي يحوم في زهو رائق بين قطعان الغيم النحاسي ؛ مرة أخرى وكما هي عادته لم يعبء بقدومي ، مثل صخرته كان ، لا تعبؤ هي أيضا بازميل الوقت ولا بتمسح أيادي السقاءات المتختمات بالأساور الوازنة .
دلفت كأني ألج معبدا قديما .. فجأة رمقت وجهه  .. نفس الأسارير والقسمات التي رسمتها في مخيالي ألسنة الأهالي…
داهمني وقتئذ انتشاء عارم في انفراج محياه ولمست بعض هناءة ، فصرت أتردد بين افتتاح الكلام وبين التملي المنبهر في وجهه المجلل بالاناس وفك طلاسمه التي أمست لغتها تضج في أعماقي ..
كنت أفكر وأنا منتصب أمامه في عزلته الرفيعة ، أسترق النظرة من خلفه الى مأواه المعتم .. مغارة على مقاس منفذ الجسد بالكاد ؛ كأنما نحتتها أصابعه التي تشبه ثمرات البلوط . ودون أن ينبس ناولني قدحا من شرابه المقدس .. هو خليط لبعض البهارات والاعشاب البرية . فعجبت لصنيعه الغريب شعرت بدم فائر يضخ في أعماقي ثم بتلاطم الكلام في زفراته وارتجاج صدره . كنت أنقل ناظري بين وجهه الملفوح وبين جوف المغارة .. فجأة لمحت تلأ لؤا يمور في مصوغات الصندوق القديم خلفه هنالك في عمق مغارته ..تلأ لؤا كان يزداد التماعا كلما أمعنت النظر فيه ، فساورتني رغبة في الدنو منه ؛ ثم رنوت اليه فيما يشبه الاستئذان فوجدته منشغلا في عد أيامه على أصابعه التي تشبه ثمرات البلوط .. وفي لحظة سهو مني توارى خلف صخرته وكأني بوقع قدميه تجلحلان في جوفها قلت ؛ أتسمعني أيها الشيخ ، ما الفرق بين جوزة السر وتفاحة المعرفة ؟ فكلانا على سبيل الادراك تائه …
اثرئذ شممت رائحةدخان تلاها قرع طبول ودفوف في الدغل .. لمحته يظهر ويختفي بين أيك العرعار  حاملا  صندوقه على كتفيه العريضين الضامرين ويركض .. يركض .. وكان جسده يكبر .. يكبر .. يشتبك بالأشجار ، وبدا لي أخيرا أنه صار شجرة…

 

 
 

 

 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free