هل هي ناهية المكتبة
إن رقمنة النصوص قد أدت إلى إقتلاعها من جذور تربتها الأصلية . هذا التحول الذي كان قد مر من قبل من السند الكهرومغناطيسي قد عرف سرعة خارقة مع إنتشارالشبكة العنكبوتية بحيث لم تعد النصوص جامدة في رفوف المكتبات أو في قرص صلب أو قرص مدمج بل صارت تبحرعبر الشبكة العنكبوتية بمعنى آخر أنها أصبحت نصوصا رحالة ... وخلافا للكتب التقليدية التي تعتمد على ترسانة من الآدوات والآليات الضرورية للنشر والتواصل فإن النصوص المرقمنة قد تمكنت من عبورالمسافات وتخطي متاريس الأجهزة الأساسية في سلسلة النشرالمعروفة . فرواية من ثمان مئة صفحة مثلا قد بات بإمكانها أن تنتقل في بضع ثوان إلى الضفة الأخرى من العالم ، ولم تعد الحاجة إلى وسطاء لقراءة كتاب ما ... فالكتاب والأدباء بات بإمكانهم نشرأعمالهم بنفسهم وبالصورة والإضافات الإستتيقية والكاليغرافية التي يرغبون فيها .. أما بعض المكتبات فقد إعتمدت طريقة البيع أونلاين وإرسال نسخ من كتبها الإلكترونية إلى الزبناء بعد الأداء بواسطة بطائق الإئتمان .
إن الكتاب يفقد بعضا من هويته عند خروجه من المكتبة فهولايحقق أهميته إلا في علاقته برفقة الكتب الأخرى في رفوف المكتبة وذلك بمقارنته معها من حيث القيمة المعرفية ... إن هذه العلاقة الأساسية لاتعود إلى القارئ ولكن إلى المكتبات التي أنشأتها ولقد بتنا نلاحظ أنه في كل مراحل من صناعة الكتاب فإن الرقمية قد قلبت الإقتصاد التقليدي للنشر...فالعلاقات بين القارئ والكاتب والناشروالكتبي قد توجب أن يعاد فيها النظر.
وفي مواجهته لإشكالية منابع القراءة فإن المتلقي قد بات يعلن أحيانا عن الحاجة إلى موجهات تيبولوجية ونوعية . إن إستعمال محركات البحث إذا كانت تمكن من العثور على نصوص بواسطة الكلمات المفاتيح أو سلسلة من الخاصيات الرمزية فهي تخلف من ورائها الكثير من الأسئلة القلقة وهي قد لاتأتي بأي مؤشر يتعلق بقيمتها . البوابات المرجعية وحدها من تمكننا من رؤية منظمة وتراتبية بجزء من النصوص المتوفرة وهي بدورها الذي تقوم به على مستوى المكتبات الإفتراضية فهي تسهم في إعادة التنظيم في عمق عالم غير منظم .
الجديد في هذا الصدد ليس في إعادة إنشاء المكتبات التقليدية التي تم إنشاؤها بالأساس على العنصرالمعرفي وإنما في تكوين بنية شبكية تمكن من إعادة هيكلة مجموع الوثلئق إنطلاقا من مساريستجيب لأسباب منطقية تتعلق باهتمامات القراء . إن هذه البنية التي تم التنظير لها منذ 1945 من طرف فانفاربوش ثم تيد نيلسن فيما بعد في سنة 1965 تحت إسم النص المتشعب [ hypertexre] قد تكونت أساسا من عقد وروابط تربط فيما بينها والتي تمكن القارئ من تحيينها وتفعيلها خلال عملية القراءة . وباستلهامه لنموذج الإنسيكلوبيديا فإن النص المتشعب الإلكتروني قد تحررمن الصفحات وإكراهات الحجم . إن هذا الجهاز[ النص المتشعب ] قد أفرز بطبيعة الحال تشذيرا للنصوص وبالتالي تشذيرا للقراءة ، إذ لم يعد القارئ مقيدا بخطية القراءة التقليدية فهو قد بات مخيرا بين مجموع الروابط التي تتوفر لديه على الواجهة حسب مستويات مراكز إهتمامه .
إن هذا النوع الجديد من القراءة قد يعود إلى النصوص المعلوماتية [ Informatif ] غير أنه قد لايناسب عملية التفكيرالتي تتطلب إستمرارية وصبرا ... فما حدث في عملية الزابينغ التلفزية نخشى منه أن يحدث على مستوى النص المتشعب .
نحن إذا في بداية عصر جديد ومن دون شك أن إشكالات خطابية ستظهر مستقبلا لكي يحقق النص المتشعب في فضاء كتابة مفتوحة على الإفتراضية .