موت المؤلف بين النص المترابط والنص الإبرميدي
عرض : ليوناردوأولاتس
تعريب : عبده حقي
النص المترابط والنص الإبرميدي ( المتعدد الوسائط ) معا مفهومان مركزيان في الأدب الرقمي ، وقد تم تطويرهما بالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية . ويعد النص المترابط مفهوما سابقا زمنيا على ظهورالإعلاميات الراهنة . وقد إخترعه فانفار بوس لأول مرة سنة 1945 ، أي قبل سنة واحدة على إختراع الحاسوب من طرف فون نومان . ففي مقال له موسوم ب : ( كيف نفكر ) شعرفانفاربوش الذي كان يشغل آنذاك مسؤولا عن فريق من العلماء الأمريكان بالحاجة إلى تقنية لتيسيرالحصول على المعلومات بشكل جماعي . وهكذا تم التفكير في تعميق مفهوم النص المترابط من طرف فريق من المهندسين وكذلك من طرف مجموعة من الفلاسفة ذوي الإختصاصات والإهتمامات الأدبية . كما إنخرط بعض الروائيين في مرحلة أخيرة في تطويرأولى الأعمال الأدبية المترابطة .
وأخيرا كان لاختراع الشبكة العنكبوتية اللمسة الأخيرة التي توجت هذه الأعمال وأسهمت في تعميم هذا المفهوم باعتبار أن الويب هو نص مترابط شاسع جدا على المستوى الكوني .
ونود في هذا الجزء الأول أن نضع وصفا لبنية النص المترابط وقرينه النص الإبيرميدي من أجل إستجلاء دوره الأساسي في الأدب الرقمي ، أما في الجزء الثاني فسنعرض لتاريخ وخصوصيات النص المترابط في الإبداع الأدبي الرقمي ثم نعرض في جزء ثالث إلى دور كل من المؤلف والمتلقي على مستوى التفاعل .
مامعنى نص مترابط أونص إيبيرميدي :
يعود مفهوم النص المترابط إلى التعريف الكلاسيكي في تصورتيد نيلسون . إنه عبارة عن بنية إبداعية خاصة تروم ترتيب وتنظيم معلومات نصية ، وفي مستوى آخرهومجموعة من العقد المترابطة بعضها ببعض بواسطة روابط تمكن المستعمل من خلال عملية الإبحارأن يعبرمن عقدة إلى عقدة أخرى وذلك بتفعيله للرابط الذي يوحدهما .
أما النص الإبيرميدي فهو يعني النص المترابط الذي يتأسس علاوة على النص الأدبي على وسائط أخرى كالصوت والصورة على إختلاف مستوايتها.
إن حضورهذان المفهومين مرتبط أساسا باعتبارات تاريخية غيرأنهما كثيرا ما يلتحمان معا في نفس المفهوم ، وإذا كان تيد نيلسون قد فضل التعريف السيميوطيقي للنص المترابط باعتباره نسيجا من العلامات كيفما كان نوعها ولم ينحزإلى التعريف اللسني الذي يحدد النص كنسيج من الكلمات ، فإن ظهورمفهوم ( إبيرميديا ) يعتبرحديثا بالمقارنة مع المفهوم السابق . وللإشارة فإن الجهاز الذي وضعه فانفاربوش يعبرعن إيبيرميديا وليس عن نص مترابط
بنية النص المترابط
يشتمل النص المترابط والنص الإيبيرميدي على نفس البنية تسمى بنية ( نص ـ مترابط ) وبإمكاننا أن نجسمها من خلال خطاطة تبدوفيها الرؤوس عبارة عن مستطيلات ترمزإلى العقد أما الروابط فقد تم تمثيلها بواسطة سهام من أجل الإشارة إلى توجهها ، ويمكن أن نمرمن سهم إلى آخرمن غيرأن نعود إلى نقطة الإنطلاق .
وهكذا نلاحظ أن البنية النص ـ ترابطية غيرخطية والإبحاريتشعب من عقد إلى أخرى مختلفة بينما التصورالكلاسيكي للرواية يجعل من البنية السردية بنية خطية متمثلة في خطاطة تسلسلية : إن العقد في الرواية أي ( الصفحات ) مرتبة بشكل تدرجي يمكن أن ترقم كما يمكن للقارئ أن يقرأها تصاعديا من دون أي عودة محتملة .
إن هذه الخطية السردية تعني بكل بساطة أن الكاتب قد توقع سلفا أن قارئه سيضع في الحسبان التقويم العادي للتلقي ، بمعنى أنه لايضع الخطية موضع سؤال السرد وبمعنى آخرأن فصول الرواية يمكنها أن تقدم أحداثا غيرمتتالية على المستوى الكرونولوجي ، فيما لاخطية البنية النص ـ ترابطية تعني أنه في إستطاعة المتلقي أن يعود إلى أية عقدة ( رابط ) متى شاء إنسجاما مع مسارإبحاره .
إن الدلالة التي يكتسبها النص ـ مترابط ليست هي نفس الدلالة بشكل عام في جميع مساراته ... وفي الحقيقة إن دلالة النص لاترتبط فقط بمحتواه ولكن أيضا بما سبقت قراءته من قبل ونسوق هنا مثالا لأهم النصوص المترابطة العالمية وهو نص عبارة عن قصة متشظية : Fragment of story للكاتب J.M Lafaille
ونرى أنه من الواجب علينا أن نعرف ونحدد أحد المفاهيم التي نصادفها باستمرارفي النصوص المترابطة والنصوص الإيبيرميدية وهو مفهوم : anchor أي المرساة إنطلاقا من الرابط .
إنه الوسيط العقدي الذي يمكننا من تفعيل الرابط . ففي مواقع الشبكة العنكبوتية يتعلق الأمرعادة ب ( كلمة ) تحتها سطروبسبب سوء إستعمال لغوي فإننا غالبا ما نسميها رابط . إن الرابط عادة يكون غيرمرئي في العقدة لأن مانراه هومرساة Anchor ثم إن الرابط من جانب آخرلايتمظهرفي نص أدبي إلا عن طريق التغييرفي العقدة .
النص ــ المترابط في التصورالأمريكي
النص المترابط هو قبل كل شيء مشروع توثيقي ، وهو مقارنة مع مناهج وطرق التوثيق الأخرى يهتم أساسا بالمتلقي ما يجعلنا نجزم أن قارئ النص المترابط يمتلك كل الحرية مقارنة مع الرواية الكلاسيكية . إنه يشعرمن خلاله بقيود أقل مثلما هوالأمربخصوص البنية السردية الروائية المهيأة مسبقا بل إنه يبقى على كل حال منخرطا ومنغمسا في العالم التخييلي .
النص ــ المترابط مشروع توثيقي
النص المترابط إذن هو الجواب التوثيقي الذي جاء به فانفاربوش على سؤال : أي نظام يجب إختراعه لتمكين المستعمل من ترتيب أو إعادة ترتيب معلومات غيرمألوفة بطريقته الخاصة . وسرعان ما جذب هذا النموذج النظري إليه الكثير من المهتمين . إن تيد نيلسون واسمه الحقيقي هو( تيودوهولم نيلسون ) هو الذي يرجع إليه الفضل في إختراع وتأصيل مفهوم ( النص ــ المترابط ) Hypertexte .
إنهما معا فانفاربوش وتيد نيلسون بالإضافة إلى مختلف الباحثين الأمريكيين ومهندسين أو فلاسفة هؤلاء كلهم إشتغلوا على موضوع النص ــ المترابط كما أنهم حاولوا إختراع جهازمفاهيمي نص ترابطي ــ إذا صح القول ــ لشرح هذا المفهوم .
لقد أطلق فانفاربوش إسم ( ميمكس ) Memex أي ( Memory Extendes) أي الذاكرة المتمددة سنة 1945 فيما أطلق تيد نيلسون سنة 1965 على جهازه إسم ( كزانادو) Xanadu .
إن الميمكس هذا يلائم الجهاز التوثيقي الذي يخول للمستعمل أن يتصل بأي نوع من الملفات والوثائق بأسلوبه الخاص . بينما مشروع ( كزانادو) فإنه يوافق المكتبة العالمية التي تمكن الأشخاص من الإتصال بالشبكة العنكبوتية غيرأن مايميز ( كزانادو) عن ( الميمكس ) هوأن الأول يمنح عدة إمكانيات للتطويروإغناء الوثائق حيث يمكن للمستعمل أن يحول إليه هذه الملفات وبالتالي بإمكانه التعليق عليها أوأن يربط بينها بالطريقة التي تلائم تصوره ، هنا إذن المعلومة المتوفرة قد تطورها وتنميها المجموعة المهتمة بها ولاشيء ينمحي منها كما أن التغييرات المستحدثة لن تلغي التغييرات القديمة .
إن هذه المكتبة الإلكترونية تصيرإذن فضاءا عالميا للكتابة كما أكد ذلك أشهرالمنظرين في مجال النص المترابط ( جاي دافيد بولتير) .
النص المترابط إختراع يتعلق بمخيال ذاكرة لامحدودة .
إن مفهوم النص المترابط يتعلق أساسا بمخيال ذاكرة مطلقة وعامة ، إنه عملية تخزين حيث المعلومات تنضاف بعضها إلى بعض من دون أن تتعرض للإندثارأوالمحو. هذا المخيال اللامحدود للذاكرة هو بمثابة حافزقوي في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكنه لايقوم إلا بدورثانوي في إطاربعض الثقافات ذات الجذورالمتأصلة والعميقة مثل الثقافة الأروبية أو الثقافة الأمريكية اللاتينية.
إن هذا الفرق يبدوجليا بخصوص تطورالأدب الرقمي الذي يرتكزأساسا وعموما على مفهوم النص المترابط في الولايات المتحدة الأمريكية فيما نجده قد عرف تطورا هاما في مجالات ثقافية أخرى في بعض الدول الأسيوية حيث تم إستثماره بشكل إيجابي في الأعمال الأدبية . في المقابل نجد أن النصوص المترابطة السردية الأمريكية تشتمل عموما على عدد كبيرمن العقد والروابط خلافا لما هو موجود في أوروبا .
القارئ والحرية المطلقة
يجد القارئ / المستعمل في جهاز النص المترابط جميع الآليات في خدمته وتحت تصرفه . يقول جورج لونداووهو من أشهر المنظرين في حقل النص المترابط :
(( إن النص المترابط يمنحنا نسقا لامحدودا ولامركزيا وقابلا لإعادة التمركز أيضا حيث أن المتلقي هو من يحدد نقطة بؤرته .
إن هذا التصورهو مايمكن أن نسميه ب (( المتلقي الطليق)) ، إذ يصير المؤلف في خدمة القارئ إن هذه الوضعية الأساسية والبالغة الأهمية على صعيد الأبحاث الوثائقية تمدنا بالخصوصية التالية:
إن المتلقي ومن خلال عملية الإبحار الشبكي يؤسس ويبني الخطاب النصي أثناء زمن القراءة ، وهناك أيضا عملية أخرى حيث يقوم القارئ بنقل مجموعة من الإمتيازات ( كتنظيم المعلومة المقروءة ) والعمل الأدبي كبناء المعلومة المقروءة ... إن المنظر( جاي دافيد بولتر) يعتبرهذا الإنقلاب في الأدواربين طرفي العملية الإبداعية بمثابة ( فقدان المؤلف لسلطته ) ويرجع بولترأيضا هذا التصورإلى تنامي حرية المتلقي .
(( إن النص المترابط يهدم في العمق سلطة الكاتب وقوته في تحديد طريقة إنخراط القارئ في الموضوع / النص . أما من وجهة نظرالقراء فالأمريتعلق بامتياز واضح وهام يمنحه النص المترابط بما أنه يصبح للمتلقين الحرية الكاملة في إستثمارالمعلومة بمجرد ما يقرأونها ، بمعنى آخرمن دون إلتزامهم بتصورالكاتب للمرورمن معلومة إلى أخرى .
تعطي إذن تصورات كل من فانفاربوش وتيد نيلسون أهمية قصوى لعامل الرابط . فالرابط والطريقة التي يتم توظيفه بواسطتها هما اللتان تحددان خاصية النص المترابط ، غير أنهما ــ فانفار ونيلسون يختلفان تصورفي الدورالذي يلعبه الرابط ويوضحان الطريقة التي بموجبها يتناول السردي الأمريكي النص المترابط .
تمركزنظرية فانفاربوش حول الإنتقاء :
يلح فانفاربوش بطريقة براغماتية حول الدورالترابطي ، التجميعي أيضا للرابط ، إن هذا الأخيرهوما يربط بين معلومتين وهذا الترابط هو الذي يخلق المعنى . إن مايحدد المعنى ليس هو الإبحار الشبكي وإنما إنتقاء الرابط إذ يصبح الترابط بارزا في هذه الحالة .إن خاصية الترابط هاته تتعلق في رأي فانفاربوش بالطريقة التي يشتغل بها الفكرالإنساني . يقول فانفاربوش :
يشتغل الفكرالإنساني بعامل الترابط ( ... ) فانطلاقا من أي موضوع ينتقل المتلقي فورا إلى الموضوع اللاحق المستوحى من مجموعة من الأفكار. من خلال شبكة من المسارات المضفورة ، المفتولة والمحمولة بواسطة الخلايا الدماغية . إنه يمتلك أيضا خاصيات أخرى : فالمسارات التي لايتم المرور بها في غالب الأحيان قد تتعرض للمحو والإلغاء كما أن المواضيع ليست دائمة بصفة عامة والذاكرة هي بالتحديد ذاكرة إنتقالية ( ... ) إن أول فكرة يمكن أن نستخلصها من التناظرية تتعلق بالإنتقاء . وقد تصيرعملية الإنتقاء في هذه الحالة عملية ميكانيكية .
يستند هنا فانفارإلى التقنيات التوثيقية الوحيدة المتوفرة في تلك المرحلة . إن الأمر يتعلق بالفهرسة العملية التي تربط مثلا بين سنن كتاب في مكتبة وطريقة تمكين المستعمل من رصده على الرفوف
إن فكرة الإلحاح على الإنتقاء تدعونا إلى التفكير في البنية الخطية للنص المترابط ، والنظام اللاخطي للمعلومة . إن الإبحارهنا قد تم تصوره بمثابة تنقلات في فضاء المعلومة . إن هذه التنقيلات ترتبط لدى المتلقي ببناء ذهني لنظام التجميع .
تمركز نظرية تيد نيلسون حول الإكتشاف
بالنسبة لتصورتيد نيلسون فإنه يلح على فكرة Navigation وعلى فكرة الإكتشاف خلال عملية القراءة . إنه يعتبر عملية الإبحار الشبكي بمثابة إختيارظرفي يتعلق باكتشاف أوإهمال ماينكمن خلف الرابط يقول تيد نيلسمون .
(( تعود هذه الفكرة إلى أكتوبر/ نونبر1960 بينما كنت أتابع آنذاك درسا في مبادئ الإعلاميات ، كنت مشغولا بالبحث عن وسيلة لخق ملف ( وثيقة ) بواسطة مجموعة أفكارمختلفة ، غيرمبنينة وغير تسلسلية وقائمة على سندات أكثرتنوعا مقارنة مع فيلم ما أوشريط مغناطيسي أوقصاصة ورقية ، لقد أردت أن أكتب فقرة تقدم أبوابا وخلف كل باب يتمكن القارئ من إكتشاف معلومات كثيرة لاتتمظهرمباشرة خلال قراءة هذه الفقرة .
أين يلتقي الأدب بالنص المترابط ؟
يلتقي النص المترابط بالأدب أوالخيال الأدبي من خلال مفهوم التشظي . فالعقد النصية ليست سوى شذرات . إن بنية النص المترابط تفكك المعلومة وتقطعها إلى شذرات تمكن من الولوج إلى خطابات ومنطوقات المتعددة . إن عملية الإبحارتعمل على إعادة تجميعها كما تعمل على إنتاج وجهات نظرمتنوعة حول موضوع ما . إن التشظي Fragmentation يسهم في هذا السرد بمعنى تفكيك الخطية المؤقتة . فيما في هذه الحالة السردية كما بين ذلك سيرج بوشاردون فالرابط لايبدو لنا كأذاة فقط للمرورمن شذرة لأخرى ولكنه يبدو كمحرك بلاغي وسردي قوي يستند إلى الفن الإهيجلي ( أي التقريب بين زمنين في لحظة واحدة ) يمنحنا النص المترابط نموذجا إجرائيا يمكننا من تطبيق عملية تفكيك وهدم على مستوى شامل مثلا في قصة ( مابعد الظهيرة ) Afternoon a story هناك 539 عقدة و950 رابط . أما بالنسبة لميشيل جويس ففي قصته ( حديقة النصر) التي نشرها سنة 1987 فهي تشتمل على 993 عقدة و2804 رابط . هكذا إذن تم خلق النص الأدبي المترابط بواسطة إلتقاء سؤال الأدبية والتفكيك السردي وبين التكنولوجيا القائمة على مفهوم النص المترابط .
إن خلق أول نص مترابط في الإبداع الأدبي الأمريكي ( قصة مابعد الظهيرة ) قد تطلب إختراع برنامج معلوماتي خاص بالإبداع الترابطي . إن هذا البرنامج المعلوماتي المسمى Story space
قد وضعه مارك برنشتاين الذي أسس فيما بعد شركة نظام ( إستغات ) من أجل هدف تسويقه . وقد إستخدمه العديد من المؤلفين الأمريكيين في حقل الإبداع الأدبي الترابطي كما كان يتم تحيينه بطريقة منتظمة . وقد صارت شركة ( إستغيت سيستيم ) هي دارا لنشر النصوص المترابطة والنصوص الإيبيرميدية في الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد بدأت أولى محاولات هدم بنية السرد الروائي في القرن الثامن عشرمن طرف لورانس ستيرن في عمله الروائي The life and opinion of stistram gentlman 1759/1967 حياة وآراء تريسترام سانداي اللطيف .
لقد ألح منظروالنص الأدبي المترابط على التمييزبين العديد من الرواد الآخرين الذين أسهموا في هدم بنية السرد الخطية . ويمكن أن نشيرهنا إلى جيمس جويس في رواية عوليس سنة 1922 . ويمكن أن نشيرأيضا إلى لويس بورخيس ومكتبته بابل الحديقة ذات المسارات المتشعبة سنة 1941 وجوليوكونازارومارك سابورتا .
يمكن أن نضيف أيضا إلى هذه القائمة السابقة الرواية الجديدة التي عرفت تألق عدة روائيين منذ سنة 1950 مثل ميشيل بوتوروألان روب غريي وجون ريكاردووناتالي ساروت وكلود سيمون . لقد إتسمت أعمالهم الروائية بتفكيك الحبكة والشخصية الروائية لفائدة تحليل داخلي متسم باللاتناسق والقطيعة الزمنية . لقد حاولوا إرتياد كتابة لاخطية من داخل الرواية .
إن الرواية الجديدة بإلغائها لدورالشخصية قد طرحت سؤال أولوية السارد الذي يتماهى في الغالب مع المؤلف . إن ( أنا ) المتكلم تصيرهذا يتكلم كما أن مفهوم موت المؤلف الذي ركزعليه كتاب النص المترابط الأمريكيون قد بدأ صداه يصل إلى موقع السارد في الرواية .
يندرج إذن النص السردي المترابط ضمن تقليد لتجريبية سردية . فقد أقحم مفهوم اللاخطية حيث تبدو كل عقدة بمثابة شذرة والبناء السردي يقتعد على الرابط الذي يصيربدوره أساسيا في السرد . إنه قد إستوحى تصوره هذا إذن من تيد نيلسون
أعمــال التأسيس ( قصة مابعد الظهيرة )
إنطلقت أولى هذه الأعمال مع ميكايل جويس بنص ( مابعد الظهيرة ) سنة 1985 . لكن النسخة النهائية لم تنشر إلا سنة 1987 . تحتوي الحكاية على عشرين بداية وكل عقدة فيها توظف كبداية لقصة تؤسس عالمها المستقل عن العوالم الأخرى . في المقابل ليست هناك نهاية . فالنص لايشمل بداية ولانهاية وكل عقدة تشكل لحظة لازمنية .
إن حد التواصل Interface يختلف بشكل دال عن حد التواصل الشبكي الذي يعتبرنموذجا ملائما للشكل الذي نقرأ علية اليوم النص المترابط . كما أن الروابط غيرمسطرة ... وعموما كيفما كانت الكلمة التي ينقرعليها القارئ فإن هذا ينتج عنه تحول في صفحة الشاشة بمعنى أن كل كلمة هي مرتبطة برابط . والكلمة هي مرساةAnchr وهذا يعبرعن إختلاف واضح مع النصوص المترابطة الحالية . كل نقرة هي بمثابة إبحار جديد ، وهذا يقرب هذا النوع من النصوص المترابطة من الكتاب بما أن كل فعل إقرائي على مستوى الكتاب ينحصرفي طي الأوراق والصفحات ما يؤدي إلى الإنتقال في مساحة البنية السردية .
إن فعل طي الصفحة في كتاب ما لايعادل طيها إلى الخلف لأن القارئ يكون قد إستوعب ما قرأه من قبل بينما التوجه أماما في القراءة العادية لايتحقق إلا باستمرارفعل القراءة وباتجاه المجهول إذا ما رغبنا في احترام الحبكة السردية للرواية .
إن هذه الإستمرارية القرائية أو لنقل هذا التحيين الإقرائي وهذا الإندهاش من المجهول الآتي يصيرأكثرأهمية على مستوى النص الترابطي .
يقينا أن حرية إختيارهذا الرابط أو ذاك ، هذا المنفذ أوذاك باتجاه المجهول قد يضيف إرهاقا إقرائيا ضمن ملحاحية الإختيارالتي تتحدد في أي الروابط أفضل ؟ وماذا سيحدث لو إخترت رابطا آخر؟
إن معظم الكلمات على حد التواصل تقود إلى نفس العقد وكل صفحة لاتمتلك إلا عددا محصورا من من الروابط . إن قائمة الروابط يمكن تفعيلها بواسطة زر( Links ) وعندما ينقرعليها القارئ تفتح نافذة تقدم كل رابط على الصفحة إسمه وعنوان الصفحة التي يقود إليها ، وهكذا يتمكن القارئ من الإبحارمباشرة عبرهذه النافذة من دون نقرعلى صفحة الشاشة مايعني أن الأمريتعلق بنص مختلف عن النص المترابط الحالي .
وأخيرا إن حد التواصل هذا يقدم شكلا متفردا قد لانجده في النصوص المترابطة الأخرى الحالية فكل صفحة على الشاشة تعتبرسؤالا بإمكان القارئ أن يجيب عنه بزري ( نعم ) أو(لا)
إن حد التواصل يطرح إشكالية تتعلق بالنصوص الإبداعية المترابطة الأولى إذ عليها أن تتماثل مع الكتب لأن القارئ لم يسبق له أن رآى مثل هذا الشكل من الكتابة وبالتالي فهوغيرقادرعلى إستيعابها . لكن بالرغم من كل هذا فإن جهازالنص المترابط صاريلح على القارئ في كل مرحلة أن يطرح العديد من الأسئلة على نفسه إذ لايمكن لفعل القراءة أن يكون فعلا آليا حيث على عملية القراءة أساسا أن تكون إنخراطا في بناء النص ، بحيث تصير كل عقدة بمثابة سؤال يطرحه القارئ حول فعله الإختياري والإتجاه الذي سوف تتخذه عملية الإبحار. إن إختيارا كهذا لايتعلق سوى بجهاز القراءة أي بحد التواصل . إن كل خصوصيات النص المترابط تتعلق أساسا بالجهاز وليس بالمحتوى ، هذه الخاصيات لاتظهرإلا على حد التواصل ، في المقابل فإن المناولات والتطبيقات على مستوى المعنى وأدوارالتركيب والتشظي ترتبط بإرادة القارئ على مستوى المحتوى النصي ، وهكذا نجد وبشكل فعال وملموس في العمل الأدبي أن النص المترابط هو عبارة عن توافق حول مفهوم مشترك بين منهجية أدبية وجهاز تقني .
موقع المؤلف والقارئ في النص المترابط
إن مقولة ( القارئ الطليق ) تجعل من دورالكاتب دورا أساسيا وذلك بتفويضه للقارئ جزءا من مهام بناء النص . هكذا فقد أثارمنظروا النص المترابط مفهوم ( موت المؤلف ) ذلك المفهوم الذي وصفه رولان بارت سنة 1968 وطوره ميشيل فوكو فيما بعد . إن هذه الصورة تدعونا إلى نهاية التصورالروائي القائل ب ( عزلة الكاتب ) إلى تصورآخريقوم على مقصدية الكاتب .
إن مفهوم موت المؤلف قد أعاد طرحه أحد أهم منظري النص المترابط جورج لانداو للإشارة إلى فقدان الكاتب لدورالمراقبة على القارئ مما يحول في رأيه القارئ إلى كاتب أيضا . وفي رأيه فإن النص المترابط يعبرعن وضع ثقافي مابعدـــ حداثي ، بينما نجد في رأي فلاسفة آخرين أمثال ديريدا وفوكوأن مايميزشرط ما بعد الحداثة هونهاية اليقينيات والسلطة والمرجعيات ...إن الكاتب
كمرجعية وسلطة قد ( مات ) ومن ذلك نلاحظ أن القارئ قد أصبح ( شريك / مؤلف ) على مستوى القراءة غيرأنه لايملك القدرة على إضافة عناصرنصية أو تغيير الروابط .
إن الكاتب بالمعنى البراغماتي لم يمت بما أنه هو الموقع الأول والأخيرعلى عمله كما أنه يملك القدرة في تدبيربنية النص المترابط ، إنه غالبا ما يعبرعن مقصديته في الأدب الرقمي ليس على مستوى النص الشاشاتي ولكن على مستوى جهاز العمل ككل ..إختيارالروابط ، إختيارالألغوريتمات وتدبيرالتفاعلات
النص المترابط كفضاء للتجوال
إذن علينا أن نعتبرأن دورالمؤلف قد تغيرببساطة بين جهازالكتاب وجهاز النص المترابط . إنه لم يعد كاتب سرد ولكنه صارمبدع عالم يحتمل العديد من السرود ، سرود تتحقق بواسطة عملية الإبحار. ولاننسى هنا أن نشيرأن برنامج Logiciel لإنشاء النص المترابط يسمى Storyspace
أي ( فضاء الحكي ) عن الحكاية أصبحت تشكل فضاءا ، عالما يتجول فيه القارئ حيث أن رغبته هي مايحدد نهاية القراءة وليس محتوى النص المترابط ، يعني أنه يصير مسؤولا على قراءته ... إنه هوالوحيد الذي يقررمقاييس النهاية وفعل القراءة يبقى غيرمكتمل .. يبقى فعلا مفتوحا . يقول ميكاييل جويس : عندما تتوقف القصة عن التقدم أماما ... عندما تتلولب أو عندما تتعبك مسالكها فتلك هي نهاية تجربتك في القراءة .
هل النص المترابط أكثرحرية من النص الخطي الكتابي ؟
في رأي العديد من المبدعين الأمريكان في مجال النصوص المترابطة فإن تعدد الإختيارات الممنوحة للمتلقين ترفع من مستوى حريتهم في فعل التلقي . ومن هذه الآراء رأي روبيركوفيرالذي يقول بشكل النص المترابط إختلافا راديكاليا في مجال التكنولوجيا المتفاعلة والمتعددة الأصوات والتي تمنح خطابا متعددا وتحررالمتلقي من سلطة المؤلف أو الكاتب .
في النص المترابط يمكن أن يتمظهر المؤلف كمساعد للمتلقي في عملية بناء النص بعدما كان في في السابق النص المترابط الكلاسيكي هو الذي ينشئ كل النص المادي والشذرات والروابط . هنا حرية المتلقي حرية نسبية . إنها تقف عند حدود أن كونية المؤلف لايمكن أن تقف عند حدود النص وعلينا أن نطرح السؤال ؟ ماذا أراد المؤلف قوله ؟ من خلال إبحارفي نص مترابط ليس له معنى .
لاتجانسية المؤلف والمتلقي
إن البنية السردية اللاخطية التي تميز النص المترابط لاتتم ملاحظتها بشكل مباشرمن طرف المتلقي إن هذا الأخيرلايتوفرسوى على خطاطة مختصرة لهذه البنية . الخطاطة التي لاتكشف أبدا على شمولية الروابط . إنه لايستطيع تمثلها إلا بمقارنة مختلف التجوالات النتية الشبكية .
إن المتلقي لن يشعر بالحاجة للإنتقال من قراءة لأخرى إلا ببناء جزء من هذه البنية المترابطة . والمؤلف باعتباره المسؤول عن البنية يتوفرعلى نظرة شاملة يطل من خلالها على عالمه السردي.
يشيد المتلقي نصا متفردا ويكشف عبر القراءة عن هذا النص الذي يفككه وكل عقدة جديدة يطالعها تظل حاضرة في المرساة anchor التي يتم تحيينها . إن هذه المرساة تبدو للمتلقي من موقع التشعب حيث صفحة جديدة أخرى تطلع على الشاشة . إنه أيضا يتوفرفي كل حين من قراءته سوى على نظرة للنص المترابط الذي يظل في طريق الإنشاء وداخل السرد الذي يقوم ببنائه .
إن هذه المفارقة بين مظهر النص كما يتلقاه القارئ ومظهر النص في شكل آخركما يراه المؤلف هي نابعة عن خاصية تم إبداعها من طرف الجهاز التقني الكامل ، إنه الجهاز المترابط ، إنه أخيرا هو المسؤول عن تحول الأدواربين المؤلف والمتلقي
الهوامش
ــ بلوترجاي دافيد : الكتابة المتفضية ، الحاسوب ، النص المترابط وتاريخ الكتابة نيوجيرزي 1991
ــ لانداوجورج : النص المترابط ، تقارب النظرية النقدية المعاصرة والتقنية ، بلتيمور1992 .
|