6 الأنطولوجيا في عصرالنص المترابط
عرض : ماري مارتل
يندرج سؤال هذا المبحث في إطارمشروع نقدي واسع حول النظريات الأدبية الغربية التي تختزل الظاهرة الأدبية في بعد أحادي يتعلق ب( النص النموذج ) .
ومن خلال هذا المبحث وكما سنرى فيما بعد فإن الأعمال الأدبية الرقمية تختلف عن هذا التصورالأحادي للنص . ويستلهم هذا الموقف تصوره من وجهة نظرروبيرهويل من خلال مقال مثيرحول اللبس الذي يشوب مقاربة الآداب ضمن إطار جمالية تحليلية ، وهوالمقال الذي يتحسرفيه بالتحديد روبيرهويل على الصورة الضيقة التي تختزل أنطولوجيا الأعمال الأدبية في التصورالأحادي للنص/النموذج .
وبداية إن القول بما يسمى في بعض المقاربات الجمالية الحديثة بانزياح النص عن بنيته ودلالته الأصلية قد يبدو فيه شيء من الضبابية .
وقبل كل شيء يجب أن نشيرإلى أن الأنطولوجية النصية تتوافق بشكل كبيرمع جوهرالرواية والأعمال الدرامية والدواوين الشعرية ... هذا الجوهرالذي أنشئ بواسطة إقتصاد قوي . وهنا تتبدى عثرة هذه المقاربة غيرالملائمة للجسيم الرقمي الذي هو ليس أقل شأنا من الأعمال الأدبية الوثيقة بالتقاليد الشفهية وبالشعرالقروسطي المتلفع بالملاحم مرورا بالآداب الموجهة للأطفال والتي هي جميعها تخرج عن تصنيف النص السابق . إن إلحاح الأعمال الأدبية الشفهية يدعونا إلى إعتبارالإجابة عن السؤال التالي : (( ما مفهوم العمل الأدبي ؟ )) صعبة بالإعتماد على التصنيف الأحادي السابق .
على العمل الأدبي كما يقترح ذلك ( هويل ) ـ بتأكيده على الظاهرة الأدبية الشفهية ـ يقول على العمل الأدبي أن يندرج ضمن نسق أنطولوجيا متعددة تأخذ بعين الإعتباربتعدد مظاهرالأدب في الثقافة الغربية .
وإذا كان نقيض الأدب الشفهي في الضفة الأخرى يكفي وحده لاعتماد طرح ( هويل ) فإنه يبدو أن هناك أمثلة أخرى قد تم إستبخاسها ويمكنها أن تدعم هذاالتناقض .
سيكون هدفنا إذن هو تعزيزالنقد ( الضد ـ نصي ) وذلك باستكشافنا لأمثلة نقيضة أخرى للطرح الذي يقول ب (العمل الأدبي ـ كنص ـ أنموذج ) والذي يندرج ضمن الآداب الرقمية الناشئة .
ولكي نصل إلى هذا الهدف يقتضي الأمرالإجابة على سؤال ( ما مفهوم النص الأدبي الرقمي ؟ ) كما يهتم هدفنا البرغماتي الثاني بالإضافة إلى التعددية التي نلاحظها في عمق الأدب بالتأكيد على أن هذه الأعمال الأدبية يمكن إدراجها ضمن جنس أدبي مشترك. ومن خلال هذا المنظوريبدوأن المنظرين الرقميين قد أجمعوا على إقتراح أنطولوجي واحد يلم الإنتاجات الرقمية ضمن جنس ( التفاعلية ) . وأخيرا سوف نتدارس فرضية العمل الأدبي ـ كنص ـ تفاعلي ) من أجل إقتراح بعض الدعامات التصورية لتحليلها .
يتفق جل المنظرين الرقميين على أن الأعمال الأدبية الرقمية تطرح تحديات جلية على مستوى مقولة
النص النموذج ، ومن أجل إستيعاب الرهانات المرتبطة بطرح السؤال الأساسي حول النص النموذج علينا بداية فهم العديد من الإشتقاقات والإصطلاحات التي سنشتغل عليها وبها كأدوات إجرائية .
إن جل بل كل النقاشات تدورأساسا حول أنطولوجيا الأدب الرقمي ضمن مجال تصوري خاص بنظرية النص الذي يعني قبل كل شيء كل إنتاج أدبي ، وبشكل أكثرتحديدا فالنص حسب السياقات يمكن أن يعني ( حصة حروف ) ، وفضاءا وعلامات ترقيم .
لقد أثارالعديد من الكتاب قضية التحول في طبيعة وبنية النص ليس من أجل إثبات وتأكيد أن النص ماهو إلا ( حصة حروف ) ولكن إثارة هذا الأمر قد جاء من أجل تأكيد أن العمل الأدبي لم يعد يحدده هذا التصور. وقد نتحدث كذلك عن شكل جديد للنص أو عن نصية جديدة .
لكن ( النصانية) في رأينا تعني قبل كل شيء الطرح الذي بموجبه تتحدد هوية العمل الأدبي في شكل
نص أي ( حصة حروف ) أما ( ضد ـ النصانية ) فهي نقيض لهذا الطرح . ويحدد كل من باشان وفانداندروب فرضية ضد ـ النصانية كما يلي :
منذ ظهور الحاسوب الشخصي والتطور الذي حققه الأنترنيت ، عرف النص الأدبي ثورة جديدة بنفس الأهمية التي أحدثها إنتشارالمطبعة ... فقد أصبحت الرهانات بمستويات جديدة ، لايتعلق الأمرفي هذا السياق بمنافسة قادمة من خارج النص كالمذياع أو التلفازولكن الأمريتعلق بتحول في السند الذي جاء من أجل تغيير بنية النص وأساليب القراءة والعلاقة باللغة .
يمكن إجلاء هذا التأكيد على ضوء ما تطرحه الفرضية الضد ـ نصية بعدم توافق العمل الأدبي الرقمي مع بنية النص الأدبي . إنها فرضية تتعلق حصريا بالسند الرقمي : لقد نشراستيفان كينج
على النت مقالا بعنوان (The plant) ( النبتة ) بمعدل فقرة كل شهروبالرغم من أن السند في هذا العمل كان رقميا فإن هوية هذا العمل الأدبي الرقمي لاتختلف عن الروايات السابقة التي يسهل
تعريفها في إطار( الحصص النصية النموذجية المتعالق بعضها ببعض ) بمعنى أن فالحاسوب في هذه الحالة لم يكن سوى آلة للرقانة التي ساعدت على رقانة النص .
تحول السند إذن لايعني بالضرورة تحولا في طبيعة النص . فالسند الرقمي في هذا العمل هو عبارة عن خاصية محتملة للظاهرة الأدبية يشبه إلى حد ما نوع الورق أو لون الحبر. وعموما فالسند
الرقمي لايشكل شرطا كافيا لإنتاج أدبي غيرـ نصي . وإذا كان هذا التصورصحيحا فالفرضية الضد ـ النصية المتعلقة بالأدب الرقمي تبقى ذات وجاهة وفعالية محدودة . وهناك من بين الأعمال الأدبية الرقمية من تحقق بنيتها مفهوم النص كما هو متعارف عليه . صحيح أن بعض الكتاب يستثمرون
بعض الوسائل التي تدعم تواجد الوسيط الأدبي النموذجي غيرـ نصي والذي سوف نبينه من خلال نبشنا في تاريخ الأدب الرقمي من أجل تأكيد برهنتنا فيما يتعلق بتعددية نماذج الأعمال الأدبية . إن هذا التاريخ يمر عبر الأعمال الأدبية المقتعدة على منظومة لوغاريتمية دقيقة مثلما هو الشأن في ( القصص التفرعية ) arborrscents والأعمال اللوغاريتمية الأتوماتيكية والقصائد المرئية
الرقمية والنصوص الترابطية المقفلة والمفتوحة التي نسميها أحيانا نصوصا شبكية . والأعمال الرقمية في نظرنا تنتمي إلى الفئة التي تجمع كل هذه الإنتاجات .
تاريخ وأنطولوجيا ( الأعمال الأدبية الخوارزمية الصرفة والإحتمالية ) والشعرالمرئي .
يعود إنخراط الفن عموما في عالم المعلوميات إلى سنوات الخمسينات . ففي سنة 1959 ظهرت الأشعارالأولى على الحاسوب للشاعر تيو لوتز على صفحات مجلة ( أوجانبليك ) Auganblick .
وقد تم إنتاج هذه الأشعار بواسطة ( مركب ) بالإعتماد على المئة كلمة الأولى من رواية ( القصر) للكاتب كافكا كوحدة للإنجاز . ثم بعد ذلك أنجزجون بودو أحدى أولى المولدات المركبة للأدب بإقحام قاموس وبرامج مختلفة ... وهناك ديوان شعري ظهرسنة 1964 يتألف من أشطرنثرية متحللة بشكل ما من رقابة كاتبها ، كما أن إبراهام مول كان أيضا من المنظرين الذين إهتموا بنظام هذه الأعمال التي سماها ( إستبدالية ) والتي شكلت قاعدة للأدب الرقمي إلى حدود سنة 1980 . يقول إبراهام مول :
يتضمن العمل الأدبي الإستبدالي عناصرمن جهة ومن جهة أخرى صيغة ما لتركيبها وجمعها . ومن هنا نستنتج أن عددا قليلا من العناصر البسيطة يمكن أن يمنحنا عددا كثيرا من التجميعات . إن الفنان الإستبدالي هنا يلعب دورين : إختيار العناصر وإنجازاللوغاريتمية التركيبية .
ويؤكد مول على أهمية البعد التفاعلي في الأعمال الإستبدالية . إن التركيبية واللوغاريتمية قد أسست لحقل كبير من الإمكانيات التي ليس علينا إلا إستكشافها ضمن دينامية وحركية إبداعية داخلية . ويمكن للفنان أن يستثمرعامل اللوغاريتمية مثله مثل المؤلف الموسيقي لكنه قد يترك هامشا لردود فعل المتلقين الهواة والمستهلكين للإنتاجات الفنية الذين يصيرون ممتلكين من طرفهم للحقل الفني
كلما توفرت لهم الإمكانات والذين سوف يتمكنون أخيرا من إمتلاك هذا الإنتاج الفني بطريقة تعكس حرية رغبتهم أو قد تعكس موقفهم السلبي في ذلك .
ونشيرإلى أن هذا التصورحول التفاعلية الذي طرحه ( مول ) قد سبق أعمال كل من جورج لاندو
وجون كليمون الذين ختموا على العلاقة بين الأدب الرقمي والتصورات التي تطرحها نظرية النص . فمن جانب نظرية النص فإن التمييز ينمحي بين مؤلف وقارئ لأن المتلقي عموما ينخرط في دينامية البرنامج ويعتبرنشاطه بمثابة إعادة إنتاج وبالتالي فإن وضعه يتماهى مع وضع المؤلف . إنه يصير( منتج / شريك ) بل أبعد من هذا إنه يصير( شريك / مؤلف ). وفي تصور مول في هذا السياق ليس هناك سوى عملية إعادة خلق لأنشطة تختلف بين المؤلف والقارئ وأيضا العلاقة بين فعل منتج وفعل متلقي .
وبالنسبة لنا ، إن وصف مول هذا كان دائما ملائما و كنا نقدره مقارنة مع باقي الإقتراحات
الأنطولوجية التي سنتعرض لها بالدرس والتحليل في هذا المبحث . وانطلاقا من هذا الوصف ( المولي ) نسبة إلى مول فإن الأعمال الأدبية التي تسمى لوغاريتمية لاتعد نصوصا بما أنه يصعب علينا تحديد ماهيتها باعتمادنا على مرجعية النص / النموذج.
إن هذه الأعمال تتكون من مجموعة من الوحدات أوالعناصرالنصية والعناصراللوغاريتمية التركيبية ، وتختلف إنطلاقا من قوة القواعد التي تكون اللوغاريتمية أي الأعمال اللوغاريتمية الصرفة والأعمال اللوغاريتمية الإحتمالية .
تكون العناصرالمنتقاة في الأعمال اللوغاريتمية الصرفة عبارة عن وحدات وقواعد للأسلوب التركيبي ، فالمسارموجه بشكل محدود وهو يتبع قصتين أوثلاث في نفس الوقت كما أنه يسمح بإمكانية تبادل بعض الحلقات ضمن بنية مترابطة. ونشيرأيضا إلى أن كل الأعمال اللوغاريتمية الصرفة ليست نصوصا بالرغم من كونها لاتقتعد على سند رقمي .
ولنعطي مثالين في هذا السياق : عمل ( حكاية بأسلوبكم ) التي نشرت من طرف كينو سنة 1967 ونص ( الروايات التي كنت فيها بطلا ) وهما معا يشكلان مثالين بارزين لسرود مترابطة غير رقمية تتضمن قواعد توليفية قوية .
لكن كيفما كان السند فإننا نعتمد في هذه المقاربة على مفهوم ( حصة نصية ) نموذجية كي نحدد
ونحصرمقومات هاذين العملين .
وعكس مارأيناه فالأعمال الخوارزمية الإحتمالية تتكون من مجموعة من الوحدات النصية التي تشتغل فيها الخوارزمية التوليفية بشكل إحتمالي . إن المولدات التوليفية على غرارمولدات بودو BAUDOT تمدنا بمثال حي في هذا المجال . وفي هذه الحالة نؤكد على أن هذه الأعمال ليست بالضرورة رقمية ، وقد إشتغل كينوعلى وسيط الشعر التركيبي ـ الإحتمالي ـ بخصوص نص ( مئة مليار قصيدة ) .
تستثمرالآداب الرقمية اللوغاريتمية نفس الميكانيزمات التي تستثمرها إنتاجات مجلة أوليبو لكن عن طريق مضاعفة الإمكانيات التركيبية بشكل يبدو أكثرغرابة .
وإلى جانب وجهة نظرمول هناك تصورات أنطولوجية ظهرت كتصورات منافسة طيلة المرحلة بين 1959 و1980 فالمبدعون أصبحوا يؤلفون ما يسمى ب ( النصوص المولدة ) المرقونة على
الأوراق : ( إنه نص مرقون وهو نتيجة عمل الآلة ويعتبرفي هذه المرحلة بمثابة النص موضوع الأدب . وإذا كان هذا التأكيد مقبولاعلى المستوى الأدبي بمعنى أن العمل الأدبي هوما نرقنه على الورق فإن هذه المناولة قد أقحمت تصورا شاذا للعمل الأدبي المندمج بالمادية الإختزالية التي تحدد تعريف العمل الأدبي في موضوع فيزيقي فحسب .
وفي الحقيقة إننا لانقبل بشكل عام أن يقترن العمل الأدبي بما هو مرقون على الورق باعتبارأن
خاصيات هذه الأخيرة تختلف عن خاصيات الأدب والعكس صحيح . وهكذا وبكل بساطة نقول أن الورقة يمكن أن تحترق وتنعدم لكن القصيدة أو اللوغاريتمية تبقى ... غير أننا نود أن نقول أن الشعرعلى الأرجح يحدد على شكل (نص/مولد/نموذج ) نقوم بنشره كما فعل بودو . إن البرنامج
المولد واللوغاريتمية التركيبية قد تم النظرإليهما كمثال لقالب ملائم لمضاعفة القصائد النموذجية .
وكيفما كانت تفسيرات الإنخراط الأنطولوجي الخاص في هذه المرحلة ، في صورته الشاذة أوالملائمة فبإمكاننا أن نعتبرهذه المقاربات بخصوص الأعمال الرقمية بمثابة إنزياح أوتراجع مقارنة مع
المشروع ( الضد ـ نصاني ) للكتاب الطلائعيين منذ أوائل القرن الذين يرون في إنتاجاتهم الجذورالحقيقية للأعمال الرقمية الحديثة ..
هذه التصورات تختلف هي أيضا مع وجهة نظرمول الذي كما رأينا سلفا يحدد العمل الأدبي الإستبدالي على شكل لوغاريتمية تركيبية . ونشيرفي جانب آخرأن المولد التركيبي قد أثارأسئلة كثيرة حول وضع المؤلف في الوقت الذي ضحد فيه هذا العامل بقوة في الأوساط الأدبية . من هو المؤلف ؟ صاحب التصورأم الآلة ؟
لقد تراجع نظام المحولات كموضوع للتقييم الأدبي في أواخرالثمانينات . فبعض المجلات الإلكترونية
Alire مثل مجلة ( ألير) أرادت أن تسهم في تقديم أهمية هذه المحولات لصالح المولد التركيبي وذلك برفض إنشاء المطبعة ورفض تدفق الأوراق المرقونة . إن بؤرة التطبيق النقدي وعامل التقييم يمران من النصوص المولدة إلى تسلسل التوليدات النصية .
ولقد أنتج جون بييربالب أعمالا لوغاريتمية إحتمالية مراقبة تتكون من برامج متطورة جدا مكنت من توليد نصوص بواسطة قواميس وقواعد نحوية . نحن نتحدث في هذا الوضع عن مولد أتوماتيكي
بدل من مولد تركيبي . إن هذه الإنتاجات والخطاب النظري الذي يواكبها قد أسهمت بشكل واسع في نقل الخطاب الأنطولوجي للنصوص المولدة إلى مولد حامل للسند وثابت ينتمي إلى العمل الأدبي الرقمي .
لقد أخدت التصورات والأفكارحول الوضع الأنطولوجي للعمل الرقمي في أعمال بالب في سنوات التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين منعطفا مهما وحاسما . فقد تم الدفاع دائما عن الأطروحة
التي تثني على وجهة نظرمسألة النص باعتباره وجها للعمل الأدبي . على أن المراهنة على المحولات النصية لم تورط فقط سؤال الشكل حول حدود هذا الوسيط باعتباره حصة نصية نموذجية وهوسؤال الشكل الذي باشره الكتاب الطليعيون بشكل واسع عبرتحول في الخطية التعبيرية عند مالارمي إلى القصائد التركيبية للوليبو . فتغييرالنص منذ ذلك الحين تم التعامل معه باعتباره تغييرا في تصورطبيعة العمل الأدبي ما أدى ببوتزإلى محاولة شرح هذه المقاربة الجديدة للعمل الأدبي الذي سماه ( النص المعلوماتي ) يقول بوتز : إن أهم حدث هنا هو التحول في تصورالنص ... إنه لم يعد ذلك الإنتاج الذي كونه المولد والذي شكل في النهاية نصا ، يجب في الحقيقة أن نتجنب كل الأساليب الوصفية في الأدب ونتبنى أسلوبا وظيفيا لنموذج من صنف النماذج التي تم تطويرها في المواد التقنية في ( الميكانيك والإلكترونيك على الخصوص ) . وفي وصف من هذا القبيل فالنص لايبدو كموضوع لكن كنظام عالمين كامل بين فاعلين هما المؤلف والقارئ .
ومن وجهة النظرهاته فالعمل الأدبي الرقمي لم يعد يحدده السند الورقي ، وليس أيضا النص النموذج ، منتوج المولد أي ما نسميه أيضا ( النص الشاشاتي ) : الجزء الأنطولوجي للعمل في هذا التزحزح لايكمن في الجزء السيميوطيقي الملحوظ من طرف القارئ ـ الجزء الذي يتمظهرعلى الشاشة والذي يشكل عموما بنية النص : يقول بوتزإن البرنامج يشكل إستمرارية للعمل الأدبي الذي لايمل منه القارئ والذي ينتقل عبرالجهازالتقني الذي يوجه المعلومة بين المؤلف والقارئ .
إن التصوراللوغاريتمي يقوم على منظورمنطقي صرف للبرنامج كونه منفذا للعمل الأدبي .
وعلاوة على ذلك ففي كل تلك المعطيات نؤكد أن البرنامج لايستنفذ العمل الرقمي . إن طبيعة هذا الأخيرتمثل نظاما تاما بين عاملين هما المؤلف والقارئ : ففي هذا المستوى يبدو تصورالنص قابلا للتغيير، ويتم تصورطبيعة العمل المعلوماتي أو بالأحرى العمل الأدبي باعتباره سيرورة بمعنى تفاعلا بين المؤلف والمتلقي .
كيف نتصورإذن ردود الفعل بين المؤلف والقارئ في علاقة أحدهما بالآخرفي إطارفرضية النص كتفاعلية ؟
يتضمن فعل المؤلف مناولات مسؤولة عن المولد الأتوماتيكي الذي لايجب علينا إغفاله في مقاربتنا النقدية لأي عمل أدبي رقمي . يقول بالب بهذا الخصوص : مثل أي مؤلف ، فأنا أخلق عالما ، قاموسا ، قواعد للتوظيف ، علاقات بين كلمات ، بين أشياء العالم وقواعد إنتاج السرد ثم بعد كل هاته الأشياء أمرإلى المعطيات الأكثرتقنية ... فالبرنامج ينتج في الأخيرمحصلة ، وإذا لم أقتنع بها فمن الواجب علي أن أطرح السؤال الأساسي : هل ما أفشل العمل هو حادث طرأ بسبب هذه الصورة الجديدة للنص الأدبي أم هو حادث آخرطارئ وفي كل الأحوال يكون لزاما علي أن أغيرمن القواعد نفسها .
قد يتميزوضع المؤلف في هذا المنظورعن وضع الآلة وأيضا عن دورالمتلقي . أما بالنسبة لمنظرالعمل الرقمي ، فهناك فرق واضح بين وظيفة التصورووظيفة الخطاط الذي يرتبط تقليديا بالتصورالكلاسيكي للكاتب . وظيفة المؤلف بالنسبة للخطاط تعني تصورأساليب مختلفة للنصوص ووصف منطقي بشكل لوغاريتمي ضمن برنامج التوليد بينما يبقى للآلة هنا دورالخطاط ، وفي هذه الحالة فالقارئ لايمكن أن يتماهى مع المؤلف بما أنه لا يقدرأن يضبط منطق البرنامج .
ليس هناك تداخل في الأدوار، لأن القارئ ليس مدعوا لامتلاك نتائج قراءته ضمن فعل الكتابة من جديد .
لكن إذا كان القارئ لايسهم في المناولات الخاصة بالسيرورة الإبداعية ، فإنه على الأقل يسهم في
العمل على مستوى آخر بما أنه قد تم مسبقا تصورالعمل الأدبي الرقمي باعتباره تفاعلا بين المؤلف والقارئ . ماهو إذن الدورالوثيق بهذا الإقرائ للعمل ؟ يشيرهنا بالب مرة أخرى بأن الإنجازالإقرائي يتضمن قسطا وافرا من الدلالات كما أن هذه المساهمة أساسية في إطارالمولد الأتوماتيكي الذي يبدو من دون قصدية سيميوطيقية وباختلالات وفجوات على مستوى التأليف .
إن القواعد التي تحرك وتولد النص ليست قواعد للفهم ولكنها قواعد للإنسجام في النص والفهم هو
أيضا ينتج من خلال تشاركية قرائية بمعنى عبرإمتلاك النص من طرف المتلقي ، بما يجعل دور المتلقي دورا مهما في حال تولد النص . ففي غياب القارئ لن يكون للنص المولد معنى عكس ما يعطيه الكاتب على هذا المستوى التقليدي في الوقت الذي يبدعه .
وسوف نرى فيما بعد مختلف البراهين التي تمكننا من تحديد هذه الفرضية ( العمل كتفاعلية ) في نظرية بوتزوبالب والتي تبدوعلى المستوى الفلسفي مقبولة كما أننا سوف نقترح بعض الأدوات والوسائل التصورية لمناقشتها .
لكن قبل المرورإلى الفرضية في إطارالتفاعلية لابد أن نشيرمرة أخرى أن الفرضية ( الضد ـ
نصانية ) من شأنها أن تجعلنا نعثرعلى العديد من الأمثلة العكسية الإضافية على مستوى القصيدة المرئية الرقمية ، ففي سنوات التسعينات شغلت القصيدة المرئية مكانة هامة في حقل الأدب الرقمي .
القصيدة المرئية الرقمية التي تنتمي إلى جينيالوجيا الأدب المرئي على الخصوص : إستثمرت كاليغرامات أبولنيرمثلا إمكانات الحوار بين اللغة النصية واللغة الصورية وتبعا لهذه التقنية فإن الخاصيات والكلمات والجمل تعرض في مختلف أنواع المناولات الخطية المتحركة والتي تحولها إلى العديد من الأشكال وذلك بدمجها بشكل عام من خلال وسائط أخرى . وبفضل الحاسوب فإن إعادة النظرفي خطية وتمرئي وإستقرارالنص قد أخذت خاصية أكثرراديكالية وذلك بأخذ القصيدة/الصورة أبعادا جديدة على مستوى الزمن والحركة .
وتشكل الأعمال الأدبية الرقمية المترابطة المجموعات الأربع للأدب الرقمي التي سنراها فيما بعد . إن هذه المجموعات الأربع هي الأكثر إنتشارا والأقل إنتشارا في الوقت الذي تثير في تساؤلات ونقاشات كثيرة وملتبسة خصوصا ما تعلق بقدرتها الواقعية على إثارة وضع ( اللانص ) أو ( النصوص الجديدة ) ، وسنحاول فيما بعد تقديم بعض العناصر التوضيحية التي ستسهم ولا شك في إجلاء هذا التناقض .
التاريخ والأنطولوجيا : النص المترابط
يبدوالنص المترابط على هيأة ملف يتضمن بعض نقط الإنشاء والترسيخ بواسطة أزرارأوبواسطة مستويات معلومة تمكن من الوصول بفضل نقرة على الماوس وبفضل تحول الرابط إلى عقد ( جمع
عقدة ) والتي هي عبارة عن وحدات للمعلومات ذات طبيعة نصية ، مرئية وسمعية أ وسمعية/بصرية وعندما تتآلف وتتآصرالعديد من الوسائط في بنية ملف أو وثيقة فإننا في هذه الحالة نتحدث عن ( تعدد وسائطية ) أو( إبيرميديا ) .
وغالبا ما نرجع الولادة الحقيقية للنص المترابط الحكائي إلى قصة ( Afternoon a story ) لمكاييل جويس سنة 1987 فقد تم تأليف هذا العمل بواسطة برنامج Storyspeace الذي أنتجه جويس بمساعدة آخرين .
للإشارة فجويس هذا ينتمي إلى مدرسة Eastgate التي تضم مؤلفي الأعمال المترابطة المنشورة ضمن قرص مدمج من المكتبة التي تحمل نفس الإسم وهو نفس الأمرعند ستيوارت مولتروب مؤلف النص المترابط الحكائي ( Victory garden ) الذي نقدم منه المقتطف الآتي :
ــ أشياء من الماضي : قال أوركواركي كي يطمئن ماكارتور
ــ لايمكن أن يحدث هذا الآن بنظامكم العالمي الجديد
ــ قطعا
ــ بقي الرجلان صامتين ، يراقبان الشاشة التي تمطرها الومضات ويستمعان إلى البث الذي ينط كلما توقفت الإشارة ويفكران فيما يمكن أن يسافر في الهواء والسماء ... على كل حال يردف ماكارتور أعرف مالشيء الذي صدمك من طرفي ... وآسف على ذلك .
ــ لابأس .. أجاب أوكوار .. لابأس شكرا.
تشير الجمل المسطرتحتها إلى الروابط ... والآن كيف تم وصف الفونيم من طرف أحد منظري النص المترابط وهو صامويل أرشيبالد الذي سنرى معه فيما بعد نسق هذا النموذح من الأعمال الأدبية الرقمية :
يمكن للقارئ في النص المترابط ( Victory garden ) لستيوارت مولدروب أن يختارأي رابط من
الروابط الثلاث بالإضافة إلى الرابط العرضي بالنقرعلى زر( رجوع ) . إن هذه الروابط هي عبارة
عن موجهات مزدوجة ( bidirectinnels ) بما فيها الرابط العرضي ويمكنها أن توجه كل شيء إلى عقدة مختلفة تبعا للحظ الذي يصادفها فيه المتلقي. تتضمن عقدة ( Réassurane ) في هذا
النص الرقمي إذن ثمان توابع ( suites ) محتملة في النص المترابط من بينها فقط تابعان هما ( Fligh defferrence ) و( Apocalypso ) اللذان يأخذان مع القارئ إتجاها منطقيا ومباشرا ، أما الست توابع الباقية فتنقلانه إلى نقط مبعدة في النص المترابط على مستوى الفضاء أو التيمة . في عقدتين أو ثلاث فإن عدد التركيبات الممكن تصيرولاشيء يحدد منطق العلاقات المحتملة يبنها.
ففي هذا المقتطف الذي قدمناه سابقا فإن الرابط العرضي يمكن أن يؤدي إلى مقطع شعري وهذا الأخير يؤدي بدوره بشكل عرضي إلى عقدة تسمى ( BED ) حيث يتوارى كل من أوركوار وماكارتورمعا. وبالنقر مرتين قد يجد القارئ نفسه على بعد كيلومترات إفتراضية يتحدث عن المكان حيث السرد يأخذه مما يجعل مهمة إظهارالمعطى السردي إشكالية كبيرة .
إن النص المترابط الحكائي مثل الأعمال الرقمية التي رأيناها فيما قبل يبدو كإنتاج لوغاريتمي ، بمعنى مثل مجموعة من الوحدات النصية المبنينة بواسطة لوغاريتمية ... ومع ذلك توجد فرضيات
أخرى تم تشكيلها في إطار صورة النص المترابط والتي سعمل على إفتحاصها قصد تحديد ما إذا كان
هذا الإقتراح الأساسي قابلا للتبني هناك فرضية أخرى تحدد النص المترابط في جوهرلامادي . وفي هذه الحالة سنروم الطرح القائل بضدية لامادية النص المترابط : إن لامادية النص المترابط تعطي هذا الأخيرخاصية لايتوفرعليها النص الورقي : إنها الحضور الكامل . يمكن للنص المترابط أن يشارك في العديد من القراء عبرالشبكة النتية ، وهؤلاء يمكنهم أن يقرأوا أو يكتبوا في نفس الوقت داخل نفس النص المترابط الذي ليس رهينا بمكان محدود مثلما هو الشأن بالنسبة للكتاب في هذه المكتبة أو تلك ... إن النص المترابط وهو جاهزعلى شبكة الحاسوب لايمكن حصرعدد متلقيه ، فهو يمكن أن يوجد في هذا المكان وفي مكان آخر ونفس الزمان ، كما أنه يبقى ذات النص المترابط.
لقد تم تصورالنص المترابط هنا باعتباره منتوجا لاماديا ولايمكن مقارنته بالنصوص الشاشاتية ويمكننا إعادة تشكيل هذه الفرضيات ببساطة من دون الحاجة إلى الإستناد إلى اللامادية وذلك بقولنا أنه من الممكن تعريف النص المترابط كنموذج يتأسس على خوارزمية بوحدات نصية ، ونظام النموذج هذا يفسرضرورة حضوره التام كما أنه يمكن تمييزه عن النص الورقي إعتمادا على العوامل المميزة التي وظفها المؤلف .
لكن من بين المشاكل الطارئة بسبب هذا التمييزمشاكل تتعلق بتصورنا الخاطئ لطبيعة النص نفسه من خلال المادية الإختزالية . يفترض المؤلف أن النص هو موضوع فيزيقي وأن تعريفه يتعلق بنسخته الورقية ، بينما نجد أن هذه الرؤية المعيارية خاطئة إذ أننا رأينا فيما قبل أن رواية مثل ( Cheri ) تتوفرعلى خاصيات لاتتوفرفي خطاطة كوليت والعكس صحيح . وبهذا المعنى فالنص ليس ماديا . إن رواية ( Cheri ) نص/نموذج ، لامادي مثله مثل النص المترابط النموذج ، وفي الحالتين معا سنقول إنه لاالنص ولا النص المترابط لاماديين باعتبارهما ينتميان للغة ، وإذا كان النص المترابط متميزا عن النص الورقي فإنه يبدومن الأفيد إعتماد فرضية أخرى غيرفرضية ( اللامادية ) .
هل من الممكن إذن أن نعرف النص المترابط باعتباره وثيقة أوملفا يتألف من مجموعة من النصوص أوكما تم إقتراحها من طرف المؤلف ؟
سيكون الجواب هنا أيضا سلبيا لأن هذا الإقتراح غيرمقنع ، وهو يهمل بشكل جلي حضور الروابط التي تربط بين الوحدات المعلوماتية التي تحددها شبكة اللوغاريتمية .
لكن إذا قبلنا بفكرة أن النص المترابط يتكون من وحدات نصية منظمة بواسطة لوغاريتمية فمالذي يميزه عن السرد المتفرع ( arborescent ) أوالأعمال اللوغاريتمية الإحتمالية ؟ لقد ميز كليمون النص المترابط عن الحكي المتخيل بإقحامه ضمن النص المترابط ثلاثة أنواع نصية .
يمكن من الآن إذن أن نقترح تعريفا مؤقتا للنص المترابط ، تعريفا سيمكننا من تمييزه عن السرود التفرعية وعن سرود التركيبية الصرفة . إن النص المترابط يتقاسم مع التركيبية مفهوم الوحدات السردية المتشظية . لكن هذه الشذرات ليست مبنينة بشكل كامل كما هو الشأن في النصوص ذات التركيبية الشاملة . النص المترابط هوعبارة عن إضمامة من الشذرات النصية النصف منظمة . وكما هو الشأن بالنسبة للأعمال اللوغاريتمية الصرفة اأو الإحتمالية فالنصوص المترابطة تتكون من وحدات نص ومن اللوغاريتمية والفرق بين النص المترابط والنصوص الإحتمالية والصرفة يتمظهر على مستوى إستعمال الرابط والعلاقة المتداولة مع السرد كما أكد ذلك كليمون . وكل هذه الأشكال النصية لاتتميز فقط على مستوى الكثافة أو على مستوى لوغاريتميتها الفائقة بل تتميزعلى مستوى الجنس الأدبي الذي يحدد خاصيتها ، إن السرود المتفرعة هي سرود كلاسيكية ، وهي مبنينة بحسب المبادئ الأريسطية التي تقر يحتمية توفرالسردعلى بداية وسياق ونهاية .
في المقابل فالنص المترابط المتخيل مبنين بشكل جزئي على مستوى السرد . وعموما لانجد تسلسلا منطقيا للأحداث ولانهاية للحبكة السردية أي غياب نهاية للعمل ككل . ولقد توصل أرشيبالد إلى نفس الإستنتاج في وصفه لرواية ( حديقة النصر ) ، إن النص المترابط المتخيل يجعل هنا من السرد إشكالية . فمن دون تسلسل ومن دون نهاية فالنص المترابط يعيد طرح السؤال بمفاهيم أخرى حول الخطية والإقفال المغيبين من طرف الرواد . وهذا الإستنتاج يتساوق مع مدرسة ( إستغات ) التي تقول بتميز النص المترابط بلاخطيته وبغياب إقفاله .
وقبل أن نعمق بحثنا حول رهان الخطية ، سوف نلامس وبشكل موجزالخاصية الثانية والتي تتعلق بغياب الإقفال . إن الإقفال في هذا السياق يمكننا من إقحام تميز إضافي في مختلف أنواع النصوص المترابطة . وهو أيضا يمكن أن يكون خاصية للشبكة التي تولدها اللوغاريتمية ، أويمكن أن يكون خاصية السرد وخاصية للإنجازالقرائي . فمن وجهة النظرهاته فالنص المترابط يبدو في غيرمقفل في حال ما إذا كان القارئ حرا في متابعة أو توقيف تجواله النصي كما أن قرارالمتلقي الأخيرهو ما يحدد نهاية السرد وكما رأينا سابقا على مستوى القصة فالسرد لايعرف نهاية محتملة في بنية الحبكة ، إنه يبقى مفتوحا . أما على مستوى الشبكة فيمكن مع ذلك التمييز بين نوعين من النصوص المترابطة المتخيلة . هناك النصوص المترابطة المقفلة التي نسميها ( النصوص المترابطة المقفلة) على غرارأعمال ميكاييل جويس أو استيوارت مولتروب وهي أعمال تقترح إنتقالات وروابط مراقبة ومحدودة في مساحة ( سيدروم ) .
ويوجد أيضا نوع ثان من النصوص المترابطة التي تختلف عن الأولى في كونها مفتوحة على المستوى الشبكي في حال ما إذا كانت الروابط التي تؤثثه تنفتح على شساعة الويب والفضاء الشبكي ونسميها النصوص المترابطة المفتوحة أو كما إقترح ذلك ( آن ماري بوافي ) ( النصوص الشبكية ) .
الموقف الثاني لمدرسة ( إيستغات ) الذي سنليه أهمية خاصة فيما بعد يأتي في إطارمفاهيم الخطية ما أكدنا عليه منذ البداية تحت عنوان فرضية ( الضد نصية ) أن النص المترابط ليس ب ( حصة نصية ) . غيرأن بعض المؤلفين سيثيرون بعض الشكوك المتعلقة بإمكانات النص المترابط على تبخيس قيمة الخطية منطلقين في ذلك من النصية . وسنتعرض لهذه الإشكالية من أجل تحديد ما إذا كان من المعقول الإستمرارفي تقديم النص المترابط كمثال نقيض للطرح النصاني ( Textualiste )
ـ سؤال اللاخطية :
يؤكد أرشيبالد أن النص المترابط المتخيل هو بالذات فشل واضح إذ لايملك الوسائل لأعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالخطية . فهذه الأخيرة مثلها مثل الإقفال يمكن أن ندركهما بثلاث طرق مختلفة :
1) خطية ذات حصة من الكلمات أو الشبكة 2) خطية سردية 3) خطية الإنجازالقرائي . ويمكننا أن نضيف بعدا آخريتعلق بالخطية باعتبارها رهانا أساسيا من وجهة نظرجمالية . بينما في رأي أرشيبالد فالنص المترابط غيرقادرعلى تقديم نقد (ضد/ خطي/ نصاني) منسجم مع أطرافه الأربعة ، لماذا ؟
أولا : إن النص المترابط لايتحدى خطية الحصة من المفردات لأن اللاخطية والإقفال هما شرطان أقل
أهمية على هذا المستوى الوسيط كما أكد ذلك مالتروب وجويس من الإختيارات الفنية والتكنولوجية النص المترابط يمكن أن يبرمج بهدف تنظيم حصته أفضل من كوديكس ، وإذا حاولنا إعادة طرح إعتراض أرشيبالد سيبدوأن النص المترابط لايعيد طرح مسألة الخطية لأن اللاخطية ليست خاصية أساسية وملزمة للنص المترابط لكون هذا الأخير يمكن أن يستمر بطريقة خطية . وتبدو هذه البرهنة باطلة ، وبالرغم من أن صواب الرأي فالنص المترابط يمكنه أن يعمل ضمن أسلوب خطي أو تراتبي أو شمولي حسب الطريقة التي تم بموجبها تجميع الوحدات لتشكل الشبكة يبدو الأمرتجريديا إذا ما اعتبرنا أخيرا أن هذه الشبكة ذات خصوصية غيرأساسية أو غيرشرطية لأنها تمثل إحدى إمكانياته ، بمعنى آخرهل يمكن القول مثلا أن الكلام ليس خاصية إنسانية لأن الإنسان يمكنه أن يصمت !؟ إن ما يهم بالنسبة إلينا كي نؤكد خاصية لاخطية النص المترابط هو أنه بمقدورنا أن نظهرأن الحصة ليست شرطا ضروريا بالنسبة له . وإذا كان هذا الأخير قادرا على التفعيل بطريقة لاخطية فإن هذا كاف كي نؤكد أن النص المترابط قادرإذن على المواجهة كمثال نقيض للخطية أو النصانية .
ثـانيـا :
ينتقد أرشيبالد تمظهرات النص المترابط في صورته اللاخطية على المستوى السردي . ففي رأيه فالنص المترابط لاخطي إذ أن كل حكي مهما كان حجمه فهو يتكون من العديد من الميكرومحكيات الأكثر تشظيا ، فهو يظل في جوهره خطيا . ويمكننا أن نعيد هذه الفكرة بالشكل التالي : إن كل جزء في النص المترابط يمكن تصوره عملا خطيا كما أن العمل ككل يبدو كذلك ، غير أن البرهنة هي أيضا ملتبسة وماكرة ، إذ السرد يتم تصورها كخاصية عامة مختلفة عن الأجزاء .
ثـالثـا :
من وجهة نظرقرائية حسب رأي أرشيبالد كل نص يمكن قراءته في إطارأسلوب نصي مترابط وكل نص يمكن تصوره كنص مترابط نموذجي . وبنفس الطريقة كل نص مترابط يمكن أن يقرأ بطريقة خطية ... فالبنسبة لأرشيبالد يمكننا إدراج تفرع ثنائي مصطنع بين قراءة متقطعة لاخطية وتجميعية في غالب الأحوال ومن وجهة نظرأخرى قراءة متسلسة أدبية. وعندما نطرح في موقف التعارض نصا ذي قراءة متسلسة في مواجهة نص مترابط ذي قراءة متقطعة قد يبدو أنه من الخطأ الإعتقاد أن النص المترابط يتوفرعلى إمتيازالقراءة التجزيئية على مستوى الإنجاز القرائي . وعموما فأرشيبالد يخلص إلى أن النص المترابط لايتمايزعن النص المألوف بلاخطيته على مستوى الإنجاز القرائي حسب التصورات التي طرحتها مدرسة ( إيستغات ) .
ماذا يعني كل ما سبق ؟ إنه من الصواب التأكيد على أن السند النصي ليس هو بالأساس موضوع القراءة المسترسلة فمنذ ظهور نظرية بالحقوق الكتابية المطبعية للمتلقي لدانييل بيناك ، كل هذا يجعلنا نسقط في موقف الشك ونفس الأمر بالنسبة للنص المترابط فليس بالضرورة أن يكون موضوع قراءة تجزيئية . وعلى كل حال إننا نلح على أن النص المألوف عادة يطمح إلى قراءة متسلسلة أما النص المترابط فإنه يطمح من جانبه إلى قراءة تجزيئية ، والنص باعتباره سندا متميزا في الأدب الكلاسيكي يستدعي نوعا من الردود السلوكية وأسلوبا قرائيا يروم الإنسياب مع حصة الكلمات حسب نظر فانداندروب .
إن كان فعل الكتابة يعني فيما يعنيه إنتاج عمل متسلسل ومستمر ، فهذا يفرض على القارئ بشكل تلقائي أن ينخرط في هذه الإستمرارية والتسلسل وأن يورط فعله القرائي ضمنها . وفعل القراءة هذا سيكون بمثابة عبور للكتاب وعملية يمكن أن تكون صعبة بشكل ما وتستدعي بعضا من الوقت .
إن القارئ وبصرف النظر عن تجاوزه للصعوبات التي يمكن أن تعترضه ، عليه أن ينخرط في ميثاق الثقة بينه وبين الكاتب وينساق تلقائيا مع مرور الصفحات . وهنا نعود مرة أخرى إلى رولان بارت : (( إن الكتاب يشبه قداسا من الواجب أن يعزف فيه بورع وتقوى من أجل أن تمر الطقوس في نظام )).
وبموازاة مع النص المألوف فإن النص المترابط يستدعي نوعا آخر من سلوك التلقي الذي ينخرط في القراءة التجزيئية . ونشير أيضا إلى أن القراءة على الشاشة لنص لامترابط مثل ( The plant ) لاتبدو يسيرة في إستمراريتها . إن السند الحاسوبي ولأسباب فيزيولوجية ووسائطية لايليق بهذا
الصنف من القراءة ، وهذا ما يفسر التراجع التدريجي لعدد قراء ل ( The plant ) .
يلح فانداندروب على العلاقة الوثيقة بين الحاسوب وإنشاء النص المترابط أو ما يسميه ( القراءة التنقيبية ) .
يبدو الحاسوب في هيأته الحالية شاقا بالنسبة لقراءة النص المسترسلة ، وبالتالي فهو غير ملائم لجزء كبير من الإنتاج الأدبي الكلاسيكي ، وفي المقابل نجد أن النص المترابط الشبكي الجاهز على الويب مثاليا للبحث إذ أن مبدأه الأساسي يتطلب تشذير النص إلى وحدات سيمنطيقية خفية يمربها القارئ من خلال نقرات على الروابط المحايثة . إن الكتاب يرفض القراءة المسترسلة بينما الحاسوب يبدو هو الفضاء الأنسب والجيد الذي تتطور من خلاله القراءة المنقبة خصوصا بالنسبة للجرائد والمجلات ... وبالتالي فإن حضور النص المترابط في ثقافتنا اليوم قد جاء ليعزز ويذكي لذة القراءة التجزيئية .
وعلى ضوء كل ما سبق يبدو أن النص المترابط بعكس ما جاء به أرشيبالد يمكن أن يحقق لاخطيته بطريقة مختلفة على مستوى الإنجاز القرائي . ومع ذلك فقد حان الوقت لتمييز موقف مدرسة ( إيستغات ) وغمرها بالمصداقية وذلك بتأكيدنا أن النص المترابط لايقتعد على تفرده في القراءة اللاخطية فحسب ولكنه يطمح مثله مثل النص المألوف لكي يقرأء بأسلوب لاخطي .
وأخيرا إن أرشيبالد يؤكد أن إعادة طرح مسألة الخطية تعتبر خاصية تندرج ضمن كل التاريخ الأدبي وفي ظل هذه الشروط يبدو نقد اللاخطية مثل عملية لخاتمة مبتذلة .
وإذا ما أخذنا في عين الإعتبار تاريخ الوسائط المعلوماتية فإن فكرة القطيعة الفجائية بين النص المترابط وخطية الكتابة تبدو إستشكالية والصراع ضد الخطية في هذا الإطار يصير بدون نهاية : إن إختراع الكتابة قد مكن الإنسان من إبطال دور الخطية الحتمية للشفهية والكوديكس أيضا قد مكن الإنسان من إبطال خطية اللفائف والنص المترابط قد مكن الإنسان من إبطال حتمية خطية الكتاب . فهل يمكن القول أخيرا أن النص المترابط قد جاء من أجل الإستمرارية في تطوير الأسلحة والعتاد السابق في مواجهة الخطية .
قد يصير بالإمكان إعادة كتابة تاريخ الأدب إنطلاقا من موضوع اللاخطية . ومع ذلك يجب أن نشير إلى أنه إذا كانت أغلب المراحل التي أشرنا إليها بالإمكان تصورها ضمن اللاخطية ، فإن أيا منها لم تجعل من الخطية رهانا أساسيا . بينما نجد أن اللاخطية تندرج ضمن المقترحات الجمالية للنصوص المترابطة التخييلية . إن هذه الأخيرة تعمل على ترميز اللاخطية على المستوى اللفظي والإستعاري ، كما أن التأويلات والتفسيرات تأخذ هذه القصدية بعين الإعتبار .
ولكل هذه الحقائق يبدو أخيرا وفي الختام أن إهتمامات مدرسة ( إيستغات ) بلاخطية النص المترابط غير ذات جدوى أي باطلة . إن النص المترابط يمكن أن يتبنى نظام اللانص . وفي هذه الدراسة يمكننا أن نختم هنا بأن النص المترابط مثله مثل الأعمال الرقمية التي تتبدى وتتمظهر كمجموعة من العناصر الأكثر لوغاريتمية . النص المترابط يقدم برهانا ضافيا لمشروع النقد ( الضد النصاني ) ( Anti-textualiste ) وسنشرع الآن في مقاربة هذفنا الثاني وتعميق السؤال الأنطولوجي ونقدم هنا بعض المقترحات التي تهم فرضية ( العمل كتفاعلية ) ( L’œuvre-comme-interactivié)
خاتمة
إن دراسة الأعمال الأدبية الرقمية قد مكنتنا من فرض تيار نقد النصانية Textualisme وكذلك للأطروحة التي ترى أنه على العمل الأدبي أن يندرج ضمن أونطولوجيا متعددة ، وفي جانب آخر إن هذه الدراسة قد مكنتنا من إعتماد رأي أصيل حول طبيعة العمل الأدبي الرقمي وانطلاقا من هذا الرأي لم يعد الأمر يتعلق ببساطة بمسألة تمايز النص وذلك بإبراز تعدد أنواع الوسائل والوسائط التي يمكن للعمل الأدبي أن يحتضنها . لقد رأينا مع بوتز وبالب أن إعادة طرح مسألة النصانية قد أخذ تحولا على مستوى لبراديغم ( النموذج ) .
ومن خلال النقاشات النظرية التي تدور حول المولدات الأتوماتيكية والإنتاجات النصية المترابطة يتمظهر تصور جديد لجنس أدبي يتفرع من خاصية التفاعلية . إن المشاركة التي يتوخاها العمل الأدبي الرقمي من القارئ المستعمل تروم بالأساس إعادة تحديد العلاقة التي تربط هذا الأخير بالتفاعلية في إطار عام من المفاهيم المتعلقة بالحركية . إن إعادة تحديد دور القارئ ( المستعمل يهذف إلى إنتاج مقاربة جديدة للعمل الأدبي . وهي مقاربة يتم تصورها كتفاعلية بين سيرورة التوليد وسيرورة التلقي .
إن الأدب الرقمي أو الأدب الإلكتروني المبرمج قد تمكن شيئا فشيئا من تغيير فعل القراءة إلى إشارات داخلية في النص وفق العديد من الأشكال كما أنها غيرت دفعة واحدة المعالجة السيميوطيقية للعلامات وخصوصا اللسانية في إتجاه سيميوطيقية داخلية . وعموما نؤكد هنا أنه يجب تصور العمل الأدبي كعلاقة بين فعل المؤلف باعتباره يستحوذ على مناولات اللوغاريتمية التركيبية التي أنجزها كما رأينا سابقا مع فعل القراءة . إن خاتمة هذه الدراسة تروم إقتراح في إطار نموذج برمجي مصادر فلسفية قصد الإقرار بفرضية العمل الأدبي كتفاعلية .
ونود هنا أن نقترح الدفاع عن فرضية التفاعلاتية إنطلاقا من ثلاث براهين منطقية هي : الضد نصانية والفعلية والمجالية .
للبرهنة ضد النصانية هناك وجهان : الوجه الأول عادي ومألوف وقد رأيناه في إطار نقد إستراتيجية النص التي قدمتها في بعض النظريات التي تختزل التعددية كخاصية للعمل الأدبي في نوع واحد هو النص النموذج . أما الوجه الثاني للنقد الضد النصاني فإنه يشتغل في مستوى مختلف إنه يعيد طرح مسألة إبستسمولوجيا وأنطولوجيا النص التي تلغي البعد التاريخي للنص الأدبي . ومن المهم أن نشير وفي عمق هذا النقاش أننا نحمل على عاتقنا مبدءا منهجيا لطالما طالب به المؤلفون
بإلحاح على المستوى الجمالي والتي تحولت بموجبه الخاصيات الملائمة في التطبيقات الجمالية والخاصيات الإبستيمولوجية إلى مستوى أنطولوجي . وفي هذا السياق إذا ما أوجزنا البراهين المقبلة سنجد أنفسنا نقبل بفكرة أن الخاصيات الملائمة لتقييم العمل الأدبي لاتنحصرفي حدود النص : بل إنها تكشف عن تاريخ الإنتاج الأدبي . لكن وبشكل دقيق يجب أن نبين أن قيمة العمل ترتبط بقيمة الأفعال والعوامل التي أنشأت ولادة العمل الأدبي ، والرؤية الضد النصانية من جهتها تروم وضع إبستيمولوجيا فعالة والتي تشكل (correlat ) مبدِها المنهجي تندرج ضمن أونطولوجيا فعالة ( إنه البرهان الفعال ) .
إن الأنطولوجيا الفعالة التي ترى أن العمل الأدبي هو نظير الفعل التوليدي وهذه الأنطولوجيل سوف يتم نقدها في إطار البرهان الإكولوجي وذلك بتلمس واقع الإنتاجات الرقمية . لقد تم الحكم على الأنطولوجيا الفعالة باعتبارها مكتملة ، غير أنها يمكن أن تسعفنا كعتبة في حال ماإذا أدرجناها ضمن نموذج يعتبر العمل الأدبي نوعا من العلاقة بين الفعل التوليدي / التأليفي والفعل التلقي /القرائي .
ولنعد إلى مبدأ ضد النصانية هناك توافق قوي اليوم في إطار الجمالية التحليلية يتعلق بملاءمة تاريخ الإنتاج في تقييم الأعمال وسوف لن عود إلى تلك البراهين . إن هذا التوافق يضعف ويصبح دون أهمية عندما يتعلق الأمر بتصورنا للإطار الإبستيمولوجي الخاص للدفاع عن هذه الفكرة . هل قيمة العمل هي ذات قيمة منتوج لقصة ما أم هي قيمة متعلقة بسيرورة حكائية . إن المقاربةالإبستيمولوجية الأولى تقود إلى أنطولوجيا تسير باتجاه مفهوم منتوج ولعل أبرز طروحاتها السياقية هي التي قدمها لفانسون . الموقف الثاني يرى فيها أنطولوجيا فعالة كما دافع عنها مؤخرا كل من كوري ودافيد . لكن دافيد قدم برهانا ضدˆ- أمبريقي / نصاني قوي والذي يفند ويضحد طموحات السياقية .
إن البرهان يبين أن التحديد ذاته للخاصيات الظاهرة أو النصية للعمل الأدبي ترتبط بالمعلومة المتعالقة بالسيرورة المنخرطة في النشاط التوليدي ويبدو أن هذا البرهان الإبستيمولوجي ذو أهمية قصوى . إن البراهين المدعمة للتوجه السياقي الذي زعزع التيار الفعلي ل ( كوري ) كانت تعني بالتحديد أن قيمة العمل لايمكن أن تستنفذ من طرف قيمة الإنجاز في حال ما إذا كانت القيمة الظاهرة للبنية النصية على سبيل المثال ما يسميه دافيد الحامل لاتتوافق مع قيمة الإنجاز . وقد نجح دافيس في ضحد هذا الإعتراض من خلال برهان ضد أمبرقي قوي .
يوضح دافيس أن تعريف الحامل يتعلق بالتقدير المرتبط بتاريخ الإنتاج ، وتحديدا إن إرتباط الحامل فيما يخص هذه المعلومات لايتم من طرف الوسائل المستعملة . هذ التعالق هو عبارة عن مناولات تشكل الحامل الموجه أساسا لأنجاز الوسيط الجمالي . وإذا ما قبلنا من هذه القاعدة بإبستيمولوجية موجهة نحو السيرورة سوف نقول إذن بإبستيمولوجية فعلياتية ACTIONNALISTE وسوف ندرجها ضمن مبدأ منهجي الذي بموجبه تتحول الخاصيات الإبستيمولوجية الملائمة إلى أنطولوجيا فعلياتية تتبدى مثل نظير طبيعي .
وإذا ماعتبرنا أيضا أن الإبستيمولوجيا الفعلياتية قد تمكنت من تقعيد مصداقيتها فإن كل هذه العوامل مجتمعة قد تسهم في أنطولوجيا فعلياتية وهذا يقودنا الآن إلى تقديم نظرية الإنجاز لدافيس والتي تنتمي إلى هذه الفئة والتي يلخص عرضها البرهان الثاني الذي يقترح طرحا أصيلا تختلف براهينه جوهريا عما قدمه كوري سلفا . إذ أنه يتبنى فكرة التحضير الأساسي لمؤيدي التيار الفعلياتي علما
أن المقاربة الوحيدة هي القادرة على رد الإعتبار للعلاقة بين تقدير قيمة العمل والخاصيات التي
تسمه والسيرورة التي تشكل أصله ، وعلى ضوء هذه المقاربة يصير العمل فعلا ، أولنسميه إنجازا .وأخيرا على ضوء ما إستكشفناه في العمل الرقمي فإن إقتراح دافيس يبدو ناقصا . فالأدب الرقمي يظهر لنا حدودا . وانطلاقا من آراء المنظرين الرقميين لايتم الجواب أو حل السؤال بأنطولوجيا السيرورة المولدة ، لأن الإهتمام بدور الفاعلين يتطلب أنطولوجيا متطابقة حيث العمل محدد ليس كفعل توليدي ولكن كتفاعلية بين قطبي التوليد والتلقي . وفي إطار برهان أنطولوجية الإيكولوجيا نعتمد على المقاربة الفعلية لدافيس محاولين ترتيب الأوجه التي تبدو لنا غير كافية وغير مقنعة . وهكذا نرى أن العمل لايندرج ضمن العمل ا, الفعل المولد . إن هذا الأخير يمكن أن يشمل العديد من الخاصيات التي تأتي من نشاط كل من ينخرطون في العلاقة مع هذا الفعل التوليدي . وإسم واحد هو ( فعل إدماجي ) مختلف عن أفعال المشاركين الذين يدمجون الفعل التوليدي في الوسط الإستقبالي . الأفعال الإدماجية هاته تتم الفعل التوليدي وتنخرط في النظام العام للعمل الأدبي الرقمي بصورة تأليفية .
ومع كل هذا إذا كانت إمكانية العمل الأدبي الرقمي ضمن إطار نموذج مثلما إفترضنا سابقا فإن طموح من ينادون بذلك قد يذهب أبعد من ذلك ، ولنشر إلى إحداها : إن النص المترابط هو قراءة بقدر ما هو إشتغال ، وهكذا فإن الأعمال من خلال فعل القراءة والتأويل تظهر لنا الوجه الإنجازي في العمل الأدبي . ويبدو هنا أن هذا النموذج المتطور للعمل الرقمي يمكن أن يعمم على مجموع الأعمال الأدبية . وهذا البرنامج هو طموحنا الحالي فقد حاولنا في هذا الإطار أن نقدم أدوات وعتادا جديدا لمشروع نقدي ضد نصاني في العمل الأدبي ، وكما حاول إضاءة أنطولوجيا بعض الأعمال الرقمية وتطوير فرضيةالعمل كتفاعلية . ومع ذلك ففي عمل قادم سوف نعمل على تعميم هذا النموذج على مختلف الأعمال الأدبية ، أيضا فيما يخص الأعمال الشفهية على غرار الأعمال المسرحية وهي إنتاجات تتناول علاقات دالة مع تمظهراتها ، إنها تشبه الأعمال الرقمية .
يمكن أن تكون القراءة كفعل يتطلب تنفيذ نص ويمكن أن تحقق تصورا موحدا للأدب ، كفن للإنجاز . إن هذا المنظور الموحد يمكن أن يشكل برهانا ضافيا لفائدة العمل كتفاعلية والذي يحقق فيه هذا التوحد . ومن خلال هذا المنظور يمكن إذن أن نستخلص إلى أن ما بدا لنا منذ البداية ظاهرة مختلفة عن العمل الرقمي يبين لنا على مستوى التحليل ماينتمي توليديا إلى كل عمل أدبي ونعني به هنا البعد التفاعلي كخاصية أساسية والتي فقدناها بسبب شكل الرؤواية الكلاسيكية وبتلقيها من طرف القارئ المثقف عموما .
|