حدود المرئي والمتخيل الرقمي

   
 


 

 

الصفحـة الرئيسيـة

مواقعي الإلكترونية

سيــرة

مـقـالات نـقـديــة

مقالات في الأدب الـرقمي

=> مفهوم النص في الأدب الرقمي

=> مقدمة

=> ماذا أضافت التفاعلية للأدب الرقمي

=> أسئلة النقد في مواجهة الإبداع الرقمي

=> حدود المرئي والمتخيل الرقمي

=> الأدب الرقمي بين الترابطية والشبكية

=> الأنطلوجيا في عصر النص المترابط

=> تحولات السرد الرقمي

=> أزمة مفاهيم السرد الرقمي

=> مامعنى واقع إفتراضي

=> تحولات الكتاب في زمن النت

=> الكتاب الرقمي ومستقبل النشر

=> الأدب والرقمية أية علاقة ؟

=> عضة الأدب من وليمة النت

=> تاريخ العلاقة بين الشعروالرقمية

=> الفن الرقمي مدخل

=> التشفيرالإلكتروني ورهاناته

=> النيتيكت NETIQUETTE

=> الترجمة الرقمية تطورأم خيانة ؟؟

=> هل القصيدة المتحركة ميديا جديدة ؟

=> موت المؤلف بين النص

=> هل هي نهاية المكتبة ؟

=> مقالات في الأدب الرقمي 2

=> الكتاب الإلكتروني سند المستقبل

=> نحودائرة أدب محدودة

=> تصورات جديد للإبداع الأدبي

=> النص ومغامرة الرقمنة

=> من الكتاب إلى الجسيم

مقالات في الإعلام والإتصال

قـصص قصيـرة

روايــــة

شـعـــر

صفحة شعراء حقوق الإنسان

eBOOK

بــورتريهـات

حــوارات

شـهـــادات

للإتـصــــال

 


     
 

 
4 حدود المرئي والمتخيل الرقمي
 
 
حوارمع لويس بواستون أستاذ علم الجماليات بجامعة مونتريال بكندا
 
 
س ــ بداية ماهي العلاقة بين التواصل والإبداع ؟
 
ج ــ أعتقد أنه يجب علينا أن ننطلق من هذا السؤال حول العلاقة بين التواصل والإبداع حتى نتمكن من
تحديد الفرق بين هذين النشاطين الفكريين . فمن الجلي أن التواصل هو فعل إجتماعي غيرأن ما نسيئ فهمه هو إلى أي مدى يمكن لهذا الفعل وهو يتجاوزحدوده وُيفرض على مجموع مسارات
الفكروالمتخيل يمكن أن يشكل خطراعليهما . وفي حقيقة الأمرإننا نفرض إستعلاءا لنموذج إجتماعي
أكثرقوة ؛ إن الفعل التواصلي ُيفرض مثل أمرقطعي في المجتمعات الصناعية ويخلق صنفا من الأوساط الثقافية الجديدة التي تستحوذ على كل النشاطات ويُلزم كل الأفراد بأن يخضعوا لأوامره الحاسمة والقطعية . التواصل شيء أساسي وحيوي لكل المجتمعات بما فيها المجتمعات الحيوانية التي
يعتبرفيها التواصل أكثرنجاعة وأكثرتحقيقا للإنسجام ما يسهم في الحفاظ على النظام الجماعي وذلك عن
طريق تبادل الخطابات والرسائل بكل وضوح ودقة وفعالية . وهذا المنحى قد نصل إليه من خلال إقرارتوجه جماعي حيث يأخذ الرأي مداه وسلطته وقوته ... إن مجتمعاتنا التي تواجه اليوم تحديات
التغييروالتحولات المتواترة والعميقة تلجأ إلى التواصل بتقنياته ووسائله السوفيستيكية لإنتاج وترويض المعنى بهدف الحرص على معتقداتنا وقناعاتنا التي بدأت تفلت من بين أيدينا شيئا فشيئا . ولاعلاقة
للإبداع بما نشاهده أحيانا من إنهيارأضخم المؤسسات الإعلامية وقد يحدث نفس الشيء في الفن والعلوم والفلسفة أيضا بما هي ثلاث دعامات أساسية للإبداع وجميعها على علاقة وثيقة وحذرة في آن واحد بالتواصل .
أن نبدع معناه أن نخلق ماهو جديد مماهو قديم وماهومنفتح مما يروم الإنغلاق وماهوحيوي مما يروم الموت أو الإنقراض وماهوحركي مما يروم السكون .
ماالذي  يمكن أن يجمع بين (مردوخ) المستثمرالإعلامي المشهورومالارمي ، بين كوكاكولا وجويس
فإذا كان مبدع من مثل (أندي والور) الذي أبدى علاقة عشق كبيرمع فن الإشهارإلى درجة أن تمت
تلقيبه ب ( الفنان الإشهاري ) إذ في جل أعماله الإشهارية يتبدى إلى أي حد يفتح الصورة والكليشي
حول لعبة رائعة بخدعتها لكنها ملوثة للثقافة الشعبية الأكثرتواصلا إنه يهدم المواد والتمثلات باستخفاف كي يخلق من الصورة معاني مختلفة . ولهذا وفي هذا الظرف الحاسم بالذات حيث يختلط الكل
بالكل والجميع يتوق كي يتجاوزإبداعاته بأي ثمن وبأي شكل وعلى الفيلسوف أن ينتقي ويعيد ترتيب الأشياء ويصرخ بكل قواه وبكل تجرد نقدي أن فعل الإبداع هو شيء آخرأكثرأهمية وحيوية ولاعلاقة له بهؤلاء المترامين على حقل التواصل في هذه المرحلة .
 
س ــ لقد تم بفضلكم إدراج مفهوم المتخيل الرقمي منذ سنوات هل مازال هو نفس المفهوم الذي تدافعون عنه ؟
 
ج ــ أجل كان ذلك سنة 1985 إذ إقترحت هذه الفكرة الغريبة آنذاك ضد كل التيارات القوية التي كانت تهدد ( الرقمي ) حيث كانت تشعربنفسها منكمشة في التقني الإجتماعي الأكثر رداءة ... إننا نريد أن نتكلم عن الصورة الرقمية عبر سؤال هو إلى أي مدى تكون هذه الصورة الرقمية مدركة ومرئية بواسطة الحاسوب وهناك شيء آخرفضلا عن الصورة ، هو أكثرمن مسألة صورة متحركة ومنقولة
بواسطة الهندسة التكنولوجية ، إن مفهوم المتخيل يغيرمسألة الصورة وذلك بوضعها من وجهة
نظرعريضة وعميقة ؛ فلقد إخترت مقاربة عامة للصورة وذلك بأن جعلت منها مسألة أنتربولوجية وجمالية وإبستمولوجية وقد أثارهذا التصوربعض المهتمين الذين رأوا في هذه الصورة مجرد إفرازات صناعية أوعلوم تطبيقية . لقد حدث هذا في الماضي وهوما فتئ يحدث اليوم إذ لاأحد تساءل عن هذه
اللخبطة الفلسفية في عالم يستدعي جدية أكثر ، وهوجديربألا نتركه لتهورآبائه المؤسسين ونعني بهم أرباب الصناعات والجيوش...
إن إقحام وجهة نظرالمتخيل هنا معناه أن نتحدث عن الفن إذ أن سلبيات وعوائق هذه المرحلة سوف تهاجمنا إذا ما نحن أرغمناها على التساؤل عن نفسها عندما ترفض كمائن وعمى هذه التقنياتية ؛ بينما علينا أن نعرف إذا ما كان مفهوم المتخيل الرقمي يعني فيما يعنيه تصورا حقيقيا وواضحا وصارما 
وقادرا على خلق أشكال فنية جديدة وهذه قضية أخرى . لم يكن في نيتي إطلاقا هذا الطموح ( الغرور) في المرحلة الراهنة وسأظل أكثرحذرا فيما يخص مسألة فن الصورة الرقمية وهذا راجع أساسا إلى حقيقة مفادها أن الصورالحديثة تتبدى لنا غالبا بعناوين فنية : كليشيهات واستيريوتيبات بدون مستقبل فني حيث المؤثرات عبارة عن رجة وصدمة مؤقتة تمدنا بأبعاد جمالية خاطفة وهذا لن يسعفنا للتحدث عن الفن بحيث إذا كان كل فن يشتغل على العنصرالجمالي فكل تجربة جمالية لاتعطي بالضرورة شكلا فنيا ... إنه شيء جمالي وليس فني .
 
س ــ كيف يمكننا أن نقيّم هذه الجمالية التي تغمربعض الأشكال الفنية ذات المنبع التكنولوجي الحديث ؟
 
ج ــ إنه سؤال شاسع وبداية علينا أن نتساءل عن أية طبيعة وعن أي نظام يقوم كياننا الحسي . أو
بتعبيرآخرعن أي مستقبل حسي الذي ينبثق من هذا الإقتصاد المادي ، الإجتماعي ، الرمزي والشكلي
الذي يمكن أن أسميه إقتصاد إعلامياتي أو إقتصاد رقمي بواسطة آلياته الأصلية ( آلات ، لغة ، شبكات ، دعائم ، مترابطات ...إلخ ) الشيء الذي يحيلنا من جديد إلى التساؤل حول التقنوثقافية الإعلامياتية التي لاتهتم فقط بنظام الصورالمرئية وإنما أيضا بالنص الذي تمكننه بطريقتها الخاصة . وأتمنى أن نعرف
في المستقبل الكثيرمن المرجعيات التصورية لهذين الفكرين الفلسفيين الكبيرين لجيل دولوزوميشيل فوكو... إنني ممتن لهما خصوصا لدولوزالذي ورطني منذ 1985 في مجال الصورة الرقمية ؛ وليس
هناك أدنى شك في أن الإعلاميات كثقافة وفلسفة غائية لن تهدف مباشرة إلى ماهو حسي في الجسد ، بمعنى آخرإن مسألة الإفتراضي قد تطرح بطريقة أكثرإثارة من خلال هذا الإنزياح وبالتالي فالكل يرتبط بالمعنى من السيميوطيقي إلى التقنوثقافي . ونلاحظ هذه الثغرة الحاصلة في التعميم الإجتماعي لألعاب الفيديو ووسائط الإتصال بدون شك هذا الإنزلاق المستديم في التجربة الشخصية وفي نظام التصورات وفي الخوف مما هو خارج ذواتنا ، وكل هذا طبعا مشروط بشكل عميق بأسئلة باطنية وليس بأسئلة
سطحية والكل يعود إلى نظام الترجمة والتحول البنيوي إذ أن الثقافة الإعلامياتية توثر التبادل والتنقل
وتغييرالعناصرالحسية وبالتالي الثقافية وذلك باستغلالها لعنصراللغة الدماغي والرقمي بمعنى آخر
فالمقروئية تزعزع مجموع الأنماط المورفلوجية والسيمنطيقية ، يصيرالمرئي مباشرة وبطريقة عضوية مقروءا حيث تتحقق المسارات والتحولات اللانهائية التي كان السجل القديم ببصمته التقليدية الأصلية قد فرض على الصورة تجذرا وجمودا جيولوجيا وبالتالي أنطولوجيا قائمة على الصرامة (
أنظرمثلا هذا اللعب الجمالي الخاص الذي تمارسه الصورة الفوتوغرافية على موضوعها .)
لقد دخلنا في عوالم إستعارية : إن الصورة ليست إلاّ نتيجة نهائية لدورة تبادل كمي للمعلومات المتدفقة بواسطة مترابطات محددة تبدوأمامنا على الشاشة وهي لاتحمل سوى كم هائل من المعطيات .. وهذا يقودنا إلى التساؤل هل هذا الإنتاج الجمالي كاف كي يحسب فنا قائما بذاته ؟ ونؤكد مرة أخرى أن كل فن
يتغذى مما هو جمالي (أي مادته الحس) لكنه يحقق جماليته وليس فنيته . إنه ناتج عن تحضيرات ثقافية مختلفة من ( الإستيسيزيا) التي لم تشق طريقها الفني بعد .
إن التواصل يتغذى مما هو جمالي وهولاينتمي لما هو فني بكل ما في هذا المفهوم من معنى لأن
العنصرالجمالي يتغيا مرام مختلفة وأهداف أخرى ... قد يكون مهندسوالتواصل أكثرإجتذابا وأكثرذكاءا
ولهم تصورهم الخاص للفن الذي لايعني في رأيهم سوى إبداعات الفنانين بالرغم من كون كلمة ( فن) هي نفسها قد تثيرالكثيرمن الغموض . ويمكن في هذا السياق أن نثيرمسألة المؤثرات الفنية إذ إنه علينا
أن نفكرفي الإختلاف الحقيقي بين ماهوفني وما تنجزه اليوم الآلات من إبداعات مذهلة ورائعة مشوبة بكثيرمن الإلتباس ... لامراء في أن مؤثرا فنيا جميلا وقويا يحرك مشاعرنا وأحاسيسنا في كل الإتجاهات غيرأنه لايعد بالرغم من ذلك عملا فنيا .. إن الشكل الفني قد يخلق فينا تأثيرا سريعا وقدرا قليلا من
الإنفعال .. والأمرلايتعلق بمسألة الكم بقدرما يتعلق بمسألة الكيف ، وإلى أي حد يكون الشكل قادرا على
أن يذهب بنا ويمكث في أعماقنا ويمدد من حدودنا الطبيعية الناتجة عن كل معايير وقواعد توجهنا الجماعي إلى درجة إنحباسنا في طبيعتنا الراكدة والتي باتت لاتقبل بالتغيير .
يترك فينا الشكل الفني عناصرمن التدميرواللاإستقرارويفرض على الكاتب ( الوازن) وليس أي كاتب
قوة الإنفتاح والتعدد الذي لايتحقق إلا من خلال جهد شاق وطويل في النفس وفي العالم .. كما لايتحقق هذا في كل الأحوال وبكل الوسائل فاليوم قد إعتدنا أن ننجزشكلا ما من خلال قدرته على التـاثيرفي
مشاعرنا . إن (بافلوف) يعتبرهوالمفكرالمرجعي الأساسي لهذه القدرة الجمالية الصادمة بأي ثمن وبسرعة مذهلة ، بنفس السرعة التي تميزالبحث في الفن السينمائي ... كما يمكننا أن نلاحظ أن
الصورقد أصبحت يوما بعد يوم أكثر تقنية من دون أن تحقق فنية جديدة وغيرمسبوقة .! فماذا تثيرهذه الصور بدعوى قدرتها على رجّ أحاسيسنا بنفس طريقة البحث التي قادت نفس الصورة عند فانغ غوغ أوهيتشكوك بكل تعقيداتها وثرائها
وكيف حقق غوغ وهيتشكوك بواسطة هذه الصورباعتبارها آليات فنية قطائع في تاريخ الصورة ؟ وكيف تمكنت هذه الصورمن تحويل مسارالتاريخ بدل الحفاظ عليه وعلى ثوابته التي لاتقبل بالتغيير؟
أجل هناك صورمن عيار( الترميناتور) و( جوراسيك بارك) وهي الصورالتي لايمكن أن ننساها ، لكن لنتساءل هل هذه الصوركافية كي نتحدث عن فن سينما جديدة ؟ وأجد نفسي دائما في نفس التصوركلما شاهدت هذا الركام من الأفلام التي تستعمل قسرا وتكلفا هذا الصنف من الصورالتي لاتعمل إلاّ على إعادة بعض المقاطع الموسيقية التي تم إستنفاذها من قبل آلاف المرات ... وعلينا ألاننسى أن مسألة إبداع جميل وفني لصورة جديدة سيظل دائما مسألة عمل مسار شاق وطويل ...
 
س ـــ لكن هناك الكثيرمن الصورالتي تم إنتاجها بواسطة آليات تكنولوجيا حديثة والتي تستحق أن تعد إنجازات إبداعية فنية عظيمة ؟
 
ج ـــ بداية دعني أقول أنني أجد هذا العمل الذي حققه العلماء في مجال الصورة منافي ومناقض تماما
لما يسميه البعض إعتباطا عملا فنيا . فلا علاقة لهذا بالفن ، لكن ماهو جديد هو كون العلماء منهمكون على تفسيرالمفاهيم والرؤى والخطابات ومنطق العلوم والرياضيات وهذه المجالات كلها في حاجة اليوم
إلى مقاربات جديدة . إن الخصم القديم للصورة وللمفهوم قد بدأ يأفل ، بل قد صاريجسد ما وصفه قبل
عشرات السنين الفيلسوف ( رودولف أرنيم ) ب ( فكرالمرئي) . لنفكرمثلا في الأبحاث التي أنجزت في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حول الحاسوب المتفوق Supercalculateur ( هذا الحاسوب ذي
الهندسة المتطورة والمتوازية المسماة ( الرابط النيتي الآلي ) في مجالات كالرياضيات والبيولوجيا الذرية والفيزياء والفيزياء الفضائية ... فبفضل ( البصرياتية ) قد تمكنت من تجسيد النظريات الأكثر تجريدا والأكثرصعوبة ، وتمكنت أيضا من خلق نوع من التجريبية البصرية والإفتراضية لعدة
ظواهرميكروفيزيائية : إنها مرحلة ما يمكن أن نسميه أمبريقية الصورة التي قلبت الإبستيمولوجيا
والمنهجية العلمية الثابتة . إن مواضيع الرياضيات أصبحت اليوم حقيقية واقعية ومصدرا للإثارة والتجربة . والنظريات وكل ماهو ذهني يبصمان نظام السرد المعقد .
وهاهي الرياضيات تمدنا بمخيال ومفاهيم تجد شعريتها وتحقق ميثاقا جديدا بين المرئي والمدرك وبين الفكري والحسي .
لاأحد يشك في أن تطورات فنية جديدة قد تحققت بواسطة الآليات الفنية ؛ لكن مازال هناك الكثيرمما يتوجب على المهتمين فعله . وعلينا أن ندرك أن الأشخاص الذين يشتغلون على اللوحات الخطية والكاليغرافية وعلى برمجيات الأبعاد الثنائية 2D أو الأبعاد الثلاثية 3D أوعلى أي شكل إعلامياتي
آخرعليهم إذن أن ينتظروا أن يحصل  تطورمفترض لحل بعض المشاكل الإبداعية  نيابة عنهم ؛ أو لينتظرون وهم قابعون في أماكنهم كي تأتي المتاحف الإيقونوغرافية إليهم لزيارتهم !
وأريد فقط أن أذكربأنه كيفما كانت سمات هذه المرحلة وكيفما كان مستوى التقدم الآلي لابد أن يفعل
الإنسان شيئا ما حتى لاتقوده نزعاته الغريزية والطبيعية ... هكذا فإن الصورة والعلامات الجديدة باعتبارها مطلبا وضرورة إجتماعية تعبرعن حاجة لأجل توافق بين الثقافات الصناعية المختلفة مع العلاقات الجديدة بالعالم ومع الزمكان . إن الأولوية هنا للملاءمة والتكيف قبل أن تكون للإبداع الذي على العكس من هذا يخل بالتوازنات ويعيق الإندماج والتكيف ؛ وأما على المستوى الإجتماعي فما يسود هونوع من الكليشيهات ، فكم من الإختراعات التقنية الرائعة قد زلزلت وصدمت
الواقع القديم . وقبل هذا فقد كان خوف الفنان (سيزام) في محله من أن تتسبب هذه الكليشيهات في (
جذام ) الفن ، ولهذا فهو لم ينجزوعلى مدى عدة سنوات سوى لوحة واحدة وفي موضوع واحد هو(
جبل سانت فيكتوار) . إنه من أقسى الدروس اليوم بالنسبة لتقنيينا المتهورين والمتسرعين كي يجعلوا من الفن ـــ من دون أن يعوا خطورة ما يقدمون عليه ــ أن يجعلوا منه مجرد مهنة .!!
إنه عمل خارق ومتفرد أن ننجزالصورة التي تحقق تمايزها المرئي ، ومن هنا نعي أي مركّب نختاره
عندما نقررأن نختار طريقة الإبداع . إنها مسألة نبل وأخلاق ... وبتعبيرأدق إنها مواجهة ضد كل ما
يرمي إلى الإستسهال ... لإن الأشياء السهلة هي مايهدد بسمّ سهولتها مؤسسة الإبداع سواء كانت فنية أو علمية أو فلسفية .
 
س ـــ ما الذي يميزالمتخيل الرقمي عن المتخيل الصوري ؟
 
ج ـــ لنأخذ طرفي اللوحة في طرف والصورة الرقمية في الطرف الآخر: نحن بصدد وجهان مختلفان
جذريا وليس بينهما قياسات مشتركة بالرغم من كونهما يبدوان قابلان للمقارنة أو بالإمكان تحقيق
تبادل في تجاربهما . ففي الفن التشكيلي ، والفوتوغرافي ، السينما والفيديو ما يهمنا هوالأثر... إنه يتحقق عن طريق إحتكاك جسد بجسد .. جسد الإنسان بالعالم وجسد الإنسان بالمادة .
في الفن التشكيلي بكل إتجاهاته بما فيها الإتجاه التجريدي كما هوالشأن عند( ماكيفيتش) فنحن نجد
أنفسنا إزاء نظام جيولوجي أرضي : إنني أرغب في رسم قواعد وأسس جيولوجية للعالم يقول الفنان التشكيلي العالمي ( سيزام ) .
 الرقمي يقصي الصورة من عالم الأثر والبصمات والإنطباعات ، لقد إنتهت سلطة الأشياء (التي يرى
بنيامين والتر) أن أول رجة لها وقعت على مستوى الصورة الفوتوغرافية ؛ وهذا ليس صحيحا إلا في  
حدود بقاء الصورة الفوتوغرافية بمثابة ذلك الفخ البصري الآسرلانطباعات الناس تحت تأثيرالأضواء
الذي يجعل منها ــ الصورة ــ إبداعا أنطولوجيا بصريا . فبواسطة الرقمي نمرعبرطريقة لتوصيف
الأجسام والأشياء على سند آخرإلى ترجمة الأجسام إلى مفاهيم لغوية : إن المنطق يأخذ وجها آخربصفة شاملة ( تركيب الصورة ) أو بصفة مضمرة ( معالجة الصورة ) إلى قالب بصري أو تشكيلي للأجسام .
هذه الصورة الرقمية تحقق كل شيء عدا براءتها ؛ الصورة الرقمية التي تظهرعلى شاشة
الكومبيوترلاعلاقة لها مع أية نقطة بصرية دقيقة أو ذرة كيميائية . إنها كائن منطقي .. وعلينا أن نرى
 في إنخراطنا في هذا الإختيار اللاصوري لمورفلوجية تحرّم في نفس الوقت كلا من المرجع والضوء
والسند عن أية سلطة أيقنوغرافية . حقا إن المتلقي سيستمرفي رؤية الصورة كما كانت من قبل ، فما يجهله هو أن هذه الصورة وماهي عليه في شكلها النهائي قد أنجزت لأن المترابطات قد أسهمت في تشكيل قدرها البصري / المرئي ؛ وهذا الإقصاء للصورة يعيد تشكيل كل إقتصادها من مرحلة الإنتاج إلى التوزيع ( التواصل ) ، إلى تخزينها ( الذاكرة ) واستعمالاتها . ألسنا هنا نحن بصدد إستنساخ فني !؟
إن فن الفوتوغرافيا والسينما قد ساهما في إزاحة النظام الأيقوني السابق .. لقد خلقا وضعيات مرئية واستعمالات غير مسبوقة . ومن دون شك سيتحقق نفس الهدف مع التـأليف الرقمي ولهذا فقد تحدثت سابقا عن كارثة قادمة في مجال المرئي بسبب إدماج كل ماهوإعلامياتي في الثقافة البصرية بالصورة . إن المرئي ينظم تفريعات في نظام المرئي بإقحامه في ما هو منطقي ورياضي .
إننا نغيرالنظام بتغييرنا للخاصية . ما مصير ثقافة ما إذا لم يكن الأثرهو المؤسس لمعناها ؟ وما مصيرذاكرة ما عندما تتجاوز التحديد من خلال عمليات منطقية ومن خلال لوجيستيك ما ؟ ودعونا نذكرأن الأبجدية في زمنها قد كانت تحولا من هذا المستوى باختيارها طريق التشفيروانطلاقها مما هومنطقي . ولقد إقتبس منها الآداب الجسد والمعنى وحرية التفكيرأيضا في عمق وتألق إقتصاد رمزي يتضمن مهمة شاقة تتمثل في تساوي وتكافؤالعلامة بالمعنى .
لقد عملت الرقمية على الرفع من الفعل الشيطاني إلى أقصى قوة . إن آخرنمط قديم للعلامات هوأن الصورة صارت بدورها وجها متحركا باستمرار. وما يذكي إحباط رجال الدين هو نشوة تجارالأوهام وأهداف الفنانين . وسنجد بشكل من الأشكال عن طريق الرقمية النقاش القديم الأساسي الذي خلق المواجهة في حاضرة أثينا خصوصا حول مسألة العلامات ، الموقف الميتافيزيقي المؤازرمن طرف
أفلاطون والسوفسطائيين : الضبط الأنطولوجي أوالذاتي ؟ إن ماتقوله لنا الرقمية في وبواسطة الصورة
هوأن المعنى قد وجد فقط من أجل إنتاجه وتأييله وأنه لم يكن ولن يكون مصدرإيحاء .. وهذه الحرية الواسعة في إنتاج العلامات قد تسببت في ترهل المعنى . تطرح مسألة العلامة سؤالا هاما حول توجه عام تصنع ساد النظام كله . أن تكون هناك دائما طبيعة وأشياء ووعيا خارج ذواتنا فهذا أمرلامراء فيه ويجب التذكيرهنا أن كل المهووسين بالعالم الإفتراضي يذهبون في رأيهم إلى أن الصورة أوالعلامة الإعلامياتية سوف تحتل مكانة هامة ولكن علينا أن نرى أن التوازنات تختل في علاقاتنا بالعالم بمجرد ما تفتقد هذه التوازنات ضبطها عبر الإستمرارية والحدة والصلابة وبتعبيرآخر بواسطة سلطة الأشياء .
إن الثنائي ( عقل / معلومة ) الذي أشارإليه دولوزوالذي سوف يسيطرمستقبلا على الإنسانية وسوف
يؤدي بها إلى الإندثار والضياع وإلى نقل نظام واقعي يجعل من علاقة الجسد بالجسد علاقة حاسمة بالرغم من كون هذه العلاقة ( جسد بجسد ) قد تم إستغلالها إعلاميا من خلال العلاقات الرمزية للغة . وفي إطارهذه القضية فالطبيعة في حاجة إلى إستعادة دورها المرجعي التأسيسي بله دورها الإيحائي مثلما هو الشأن عند الحيوانات المتوحشة التي تستمد وحشيتها من الفضاء الذي تعيش فيه ؛ إن
الأساسي في الثقافة يوجد خارجها في الفضاء الحضري وأحلام الحيوانات ، في الفضاءات الطبيعية التي أصبحت أكثر فأكثرمحدودية ... إن هذه المسالة كانت قد بدأت قبل الثورة الرقمية أي منذ الهزات الصناعية والحضرية الأولى .
 
س ـــ صحيح ، لكن ألايسيرالمتخيل الرقمي نحو السيطرة خصوصا على المشهد الواقعي ثم ألا يسهم في خلق ثقافة بصرية جديدة ؟
 
ج ـــ من بين النقط ، أو النقطة الإستراتيجية في هذا الوضع  الثقافي الجديد تكمن في هذا الفصل التطبيقي الذي يحدد كل هذه الإمكانية ، حتى لانقول هذه الرغبة الراهنة . إن تحويل كل معطى إلى كم معلومياتي ، إلى مقروئية ، أوتوماتيكية ، هوالشغل الشاغل لفكرمنطقي وأتووماتيكي يتطلب وسيط كتابة أو فكرأوغائية أوحتى جنسا جديدا . والأسئلة والإشكالات عديدة في هذا الصدد ... يمكننا أن نتسائل عما يؤسس لمتعة رغبة ما كي تحقق بعدا لثقافة حقيقية ؛ وبأي ثمن يمكن أن تتحقق هذه العملية بشكل إيجابي ؟ وماهي حدودها ؟ ويمكن أن نتسال أيضا على المستوى الإبستيمولوجي كيف
تختاروسائلها السياسية : وهل يمكننا أن نخلق من كل شيء موديلا ؟ ثم كم سنجني منه من الأرباح ؟ وماذا سنخسر منه ؟ وكيف ستتمكن هذه الوساطة العملية للموديل من توجيهنا نحو تجميل أو تغييرالتجربة للمفهوم ، ولما نسميه ثقافة واقعية ؟ هناك نقط أساسية وهامة تجب الإشارة إليها : كيف
يمكن لهذا الإقتصاد المعلومياتي أن يمكننا من أن نتخيل مسارات ومعابرمتفردة بين العالمين الإدراكي والعالم المرئي . إن التقليد الكلاسيكي قد طرح المسألة باعتبارها تطابقا وتقابلا معكوسا ... وكلما كثرت المفاهيم كلما قلت الصوروالعكس صحيح . العلاقة ( فن / علم ) تبدو دائما كصراع بين عالمين
متنافسين متناقضين : خطاباتية من جهة وأيقوناتية من جهة ثانية ؛ ومع غاستون باشلارالذي أكد بكل
قوة على تناقض محاورالشعرومحاورالعلوم والحال هو كيف يمكن للرقمية أن يخلط بمفردها الأوراق بقتراحها نوعا من الشعرية البصرية مرفوقة ب(براكسيس) أي تطبيق عملي خطابي متخفي في الوجه الآخرللصورة .
فالخيميائية أوسحرالفكرالمترابطالذي لايؤمن سوى بالكم المتوخى تحويله إلى شكل تام يتوجه أساسا إلى العين والأذن واللمس ...
ونجد هنا كما سبق أن أشرت إليه من قبل أن القوة الغريبة للمقاربة المعلومياتية التي من خلالها يمدنا
كل من المرئي والنصي والسمعي والحسي بلعب إستعاري بالمعطيات يتبدىّ في جميع سجلات التعبيرالمختلفة ويأخذ شكلا ما بواسطة عبوره بدل أخذه شكلا طبيعيا أصيلا يتجه على المستوى الأنطولوجي كي يتمظهرعلى هيئة بصرية أوسمعية أونصية الثابتة...
إن التناقض الصارخ هو أن الرقمية تجد معناها القديم في التناظرية ؛ فالكل يتشابه لأنه ليس هناك
أشياء قابلة للتشابه ولأن في عمقها تختلف الأشياء ، إن العالم الحسي هوفعل خلق يستمد مصدره من مسافة عن الخالق إذ علاقتها بالمبدأ تتمظهرمن خلال الصدى وليس من خلال الإستمرارية . إنه نوع من الرؤيا ذات الأشكال المتسلسلة التي تفرض لعبة المراسلات لانهائية ... مايجعلنا نقول بطريقة أوضح أن الرقمية عندما تتلاعب بالصوروبالمرئي تكون أقرب إلى الموديل الموسيقي منها إلى الموديل الأيقونوغرافي ؛ وهذا يدفع بكتابنا الشباب على الخصوص إلى طرح السؤال الذي لم يعتادوه ،
واسمحوا لي هنا أن ألفت نظركم إلى ذلك العمل الرائع ل ( أليغزييف ) مبدع تقنية شاشة الدبابيس والتي إخترعها بطلب من المكتب الوطني للفيلم بكندا وهوالعمل الذي أرفقه بلوحة أبدعها ألفريد براندل ليعطينا قصيدة رائعة بصرية وسمعية بحيث تستلهم جماليتها من أقصى عملية تصغيرلها وإلى لعبة المراسلات التي تخلقها بين شكل بصري صغيرومتحرك وبين خط ميلوديا موسيقية أصيلة جدا إلى
درجة تجعلنا لا ندري هل المرئي هوالذي يتصايت ( يحدث صوتا ) أوالموسيقي هوالذي يتمرآى .
وأمام هذا الشكل الصغيركم من الصورذات الأبعاد الثلاثية 3 D السوفستيكية جدا تبدوأكثروزنا وأهمية ، ممهورة بالواقعية والبعد الثالث كأنما هي متلبسة بهالة مصطنعة ومتكلفة .
 
س ـــ ماذا يمكن أن نقول عن الإنسجام الجديد بين الفن والعلوم ؟
 
ج ـــ لايبدوهذا الكلام عن الإنسجام ذوأهمية إلاّ إذا تجاوزنا فكرة تعارض عنصرا ( فن / علوم ) ووأقررنا تصالحهما معا .
إنها مسألة إبستيمولوج تثيرمشكلة الإبستيم الذي يقعد التوزيع على سبيل المثل التراتبية بين المرئي والمنطوق ، بين الحسي والذكي الواضح ، بين الصورة والمفهوم ؛ ولقد تعرضت لهذا الموضوع سابقا ، كل ما يتعلق بالمنهجية العلمية التي تطورالعلاقات الجديدة بين الصورة والنظرية . لنفكر في الرياضيات أو النظريات الأكثرتعقيدا ، يجب أن نعتاد على التفكيرفي المفهوم بكلمات سينوغرافية وفينومينولوجية بصرية . طبعا هناك دائما شيئ ما متفاوت في الحضورللصورة في العلوم... لكنها لاتتدخل بصفة رسمية إلاّ في الهامش أوباسم تشخيص خارجي وبدون أن نربطها بقدرة إبداعية حقيقية على مستوى المعرفة والفهم الراقي جدا ؛ وعلينا أن نؤكد أن العلوم هي الصورة وأن الفنون يخلقها المفهوم إن هذا التأكيد الأخير يتحمل عبأه الفاعل الرقمي من الناحية التطبيقية والنظرية ويبين من
خلال البرهان الحسي وهكذا سنتحدث عن إمبريقية صورية وتوافقية حسية ؛ الشيء الذي يعني طريقة لترميم فكرة فنية تامة من جهة وجمالية معرفية من جهة ثانية .
 
س ـــ ماهو الرابط الذي يمكن أن تقيمه الصورة والواقع بينها وبين الأشياء ؟
 
ج ـــ إن ماتثيره هنا هوالعلاقة الجديدة التي تضعها الصورة مع الإنتاج الصناعي وعلاقاتها مع الإقتصاد المادي . هنا نجد أنفسنا أمام أكبرإبتذال كبير، الفعل الصناعي بدون روح الذي يدمج عملية الصورة التي تحدثت عنها قبل قليل .
إنها بطريقة أخرى ما تتحدث لنا عنها العوالم الإفتراضية الرائعة التي تعيد بناء سمعنا والتي تحدد القدرة على الحركة في الأشياء وفي العالم . ففي الهندسة مثلا فالفكرة التي يجب أن تشغلنا هي زيارة
البناية قبل إنشائها وهنا بمجرد ظهورالتطبيق الهندسي بما هو تطبيق مرتبط عضويا بالوسيط العملي للمشروع ومن هنا نقول أن التكنولوجيا الحديثة لم تخترع بكل تأكيد إفتراضيتها لنفسها بل إنها تعطيها بعدا آخرونوعا من النجاعة . لقد كان الإنشغال الذهني الهام عند ليوناردودافينشي يجد إكتماله في التمرين الأوتوماتيكي واللوغاريتمي في ما هوإفتراضي : وسنجد أسئلة النموذج والكتابة والمقروئية التي رأينا إلى أي حد أنها تقعّد للتطبيق العملي المعلوماتي للمرئي .
إن الإفتراضي الإعلامياتي هوطريقة لتحسين موضوع الفكر وذلك بتركه يستمرفي إنفتاحه واكتماله .
في ماذا تختلف هذه الفكرة في العمق عن كل التطبيقات العملية الإفتراضية السابقة  ؟
التطبيقات العملية مرتبطة ب (الشكل / الأثر) أي مرتبطة بسلبية السند وتحول دون أن تتمكن الصورة من تطويركل طاقاتها . إن مجسما أو رسما هندسيا ما يمارس إفتراضيته بطريقة مخالفة لكن بكثيرمن الصعوبات لأن هذه الطريقة تبقى حبيسة سيطرة الرؤية الإنسانية وهذه المركزية الإفتراضية التي تقود إلى كل البناء المشهد الإفتراضي .
يفتح الحاسوب المرئي على طاقات وقوى أخرى ، هي عبارة عن سجلاّت بصرية أخرى أي على مناولات أخرى جديدة للصورة من دون وجهة نظروبدون تمثلية تراتبية ومن دون حدود ذاتية ؛ إنه يجعل بصرية الأشياء والمشاهد مفتوحة أكثرفي نفس وقت إستعمالاتها ومناولاتها المراقبة .
وبنفس الحركة تخلق علاقات أخرى مع المواضيع المألوفة للتجربة بمدها بإمكانية للتجاوز نحو مواضيع أخرى وظواهرأخرى لايمكن تخيلها . وهنا يمتزج الحلم بالمشروع ويتبادلان عواملهما .
بماذا يمكن للإشهارأن يرفع من قدراته على التأثيرالحسي والصناعة من قدراتها الإستثمارية والتجريبية . هنا تطرح المسألة الفنية بكل وضوح إلاّ إذا لم تعرف كيف تستثمرهذه المناولات السوفيستسكية للحلم الجماعي لأي مجتمع .
 
س ـــ يبدو أنه من اللازم وضع حدودين بين ما ينتمي للنشاطات الفنية وما ينتمي إلى حقول أخرى من النشاط الإنساني التي تستعمل نفس الآليات وتنتج صورا موجهة إلى ُبعد ما ، لماذا ؟
 
ج ـــ إن المنهجية الفنية تشتغل على روح الشكل وليس على الكم مباشرة . وإشكاليتها تتجلى في الإستعارية .. وفي مصيرها الصورتي الذي يزعزع وضعها في عمق شيء آخر .
إن الجانب الكارثي للفن هوالذي يعمل على إفشال كل محاولة لتطويق الصورة ، وأن تقيم بشكل نهائي في مأمن وراحة نظام الأشياء التطبيقية .. هنا تبدوالقرابة الجوهرية بين أهل الفن وأهل العلم وأهل
الفلسفة أيضا ، لأنهم بشكل من الأشكال مرتهنون للإبداع .. إنهم يخلقون الحركة ويسافرون من دون
توقف أو إرهاق ... يبدعون وينتجون المفاهيم والأشكال رغم أن ما يبدعونه في بعض الأحيان دقيق ، ومجهري ( ميكروسكوبي ) ؛ وبمجرد ما تتبدىّ فكرة ما ، تفقد قوتها وطاقتها النشيطة والإبداعية والسرية .
إن الباحث قد أصبح مثل التاجريعرض ويشهردفاعه وصوره المعرفية لكي يدافع عن منصبه وسلطته وهذا ما يحصل كلما توقفنا عن البحث أوالإبداع .
 
س ـــ هل هذا التحول القسري يهدد أيضا مجال الصناعة ؟
 
ج ـــ إنك على حق أن تسألني عن هذه الأشياء إذ لا يجب باسم الفن والفكرالإبداعي أن نهين ونرفض العالم الذي تتأسس فيه أشياء أكثرمادية وتفاهة .. إن هذه الأشياء ما تزال بنفس الإبداعية القديمة والرائعة . فالعالم الصناعي ليس عالما سلبيا ، إنه عالم له ثرواته وذكاؤه وإبداعيته وكل هذه الأشياء تنسج بمهارة علاقتها بالفنون والعلوم والإنتاج المفاهيمي للفلسفة .. والغايات التي تعطي معنى لهذا العالم علينا أن نختبرها جيدا ، ماذا يريد العالم الصناعي اليوم ؟ ماهوالتوجه الذي ترومه قواه الحية والمستديمة ؟ إننا لاننكر قدرته الخارقة على خلق دينامية قد جعلت منه عالما عصريا وحداثيا ؛ لكن هذه الدينامية لم تأت إلا بحدود جعلت هذه الحركة في خطرالمساس بقواعدها الأساسية . وعندما نخلق أونخترع شيئا جديدا ونطلقه على المستوى العالمي فهويعتبرعملا ثوريا ، إنه يخلق موضوعا لاينحصرعلى  مستوى التجدد ولكن على المستوى التطبيقي علاقات إجتماعية ، ويسارع إلى المستوى الزمكاني حيث ستلعب الرغبات والأحلام بصورة لانظيرلها ، فهو يسيطرعلى التدفق ويعطيهما شكلا وجسدا . وهنا كما يبدوتتأسس عبقرية إختراع هذا الموضوع وبكلمة واحدة إن الفكرة الراهنة للطرق السيارة ( الأوتوروتات ) تمدد فكرة المكان/الزمان الحديثة .. إنها تجسيد لفكرة بول فاليري : ( الحضور في عدة أمكنة وفي وقت واحد ) . وهذا يعني أن الصناعة تتآصرمع إقتصاد ميركانتلي ( تجاري) يسيطرعلى كل إختراعاته وكل سيولته التي تسقي الجسم الإجتماعي وتعيد تشكيله على مقاس السوق مثل البضاعة وهنا طبعا نلمح إلى شيء آخرأقل نبلا .
 
س ـــ هذا التحول في الإبستيم ألايكون هو العنصرالمشترك للعديد من السلوكات ؟ مثلا أليست هي نفس التجربة الإبستيمولوجية التي إقتسمها التكعيبيون والفيزيائيون في بداية القرن ؟
 
ج ـــ إن هذا السؤال يحيلني على نص ل ( كادانسكي ) ، ففي كتابه ( نظرة إلى الماضي ) يثيرالأحداث
الكبيرة التي أسست للتجريد الذي يعتبركادانسكي من آبائه الروحيين . وتجزيئ الذرة كان من بين هذه الأحداث وأيضا إكتشاف أعمال الفنان التشكيلي ( مونيي ) وموسيقى ( ريشارد فاجنر) . لقد قال كادانسكي إن هذه الميكروفيزيائية قد أوحت له بنسبية قانون سقوط الأجسام . تفكيك الذرة يعتبرمثل تفكيك العالم ككل فالأسوارالعالية قد تهاوت بسرعة..إنني لن أندهش إذا ما لاحظت حجرا هاويا من الفضاء وبعد فترة صارلامرئيا : يقول كادانسكي .. صحيح أن الميكروفيزيائية ، بأجسامها الجديدة وزمكانها تطرح على الفكرالإنساني نوعا من الكارثة العامة للقياسات الأكثرإستقرارا ؛ نفس الشيء عند ( سيزان ) الذي تحدثنا عنه من قبل ، هل يمكن أن نقرأ العلامات الأولى لهذا المنعطف العالمي للمرئي الذي سيقود الفن التشكيلي إلى الحدود الثقافية القصوى . فعلا أود أن أرى في هذه الشهادة يقول ( إنشتاين ) : الفن أكثرحساسية من مقياس الزلازل .
هناك العديد من الأعراض المرضية للحداثة الصناعية الجديدة التي وصلت إلى الإقصاء الجماعي ، إنه نهاية الجيولوجيا والديمومة والعمق التقليدي الذي إلى حدود الآن قد تمكن من تنظيم علاقة أرضية متجذرة . إن نهاية القرن التاسع عشرمكنتنا من تعميم للعلامات وكذلك تبخرللأشكال والمواد . وفكرة النسبية تهيمن على الفكرالعلمي والتطبيق الشكلي وخصوصا التطبيق الفني والفلسفي ( نيتشه ) نموذجا ؛ وهذا يعني أننا قد نخطئ إذا ما إقتصرت رؤيتنا على النظرإلى هذه الأحداث على أنها مجرد نتائج أو مجرد أعراض خالصة لروح الزمن .
 
س ـــ هل يمكن أن نعرف العنصرالجمالي الذي يتبدى من خلال التطبيق الفني والدورالجديد الذي بدأت تأخذه الصورة في ميدان العلوم ؟
 
ج ـــ إن التناظرية الإفتراضية والميلتيميديا هي كلمات وشعارات ساذجة وفكرتها واضحة من الصنف
التصوري الذي سيوحي لنا بالتوقف كي نفكربطريقة عميقة فيما يجري . ولنأخذ مثلا ( الصورالجديدة )المستوحاة من الآليات والوسائل الإعلامياتية ؛ إن هذه الصورأقرب من الناحية الموضوعية لما سمّاه 
دولوزوالصورة/الزمن ــ الصورة/ الحركة رغم أن التقنية لاتكفي لتأسيسها على نفس المنوال . ونفس الشيء بالنسبة للصوت الذي إستمرمنذ زمن بعيد في ثورته المعلوماتية إنه يسهم في تركيزقدرة فائقة ( لخلق الصورة ) وهذه الأخيرة تعمل دائما على إنقاذ أو مساندة الصورة الضعيفة وهذا يقودنا إلى التساؤل إلى أي حد أن العالم السمعي البصري يقترح أوجها جديدة صوتية ومرئية ، وآلات أخرى بدون معاييرمشتركة مع المعايير المستمدة من جسد/جسد) ومن النفس الأرضي للجسد ولكن بمعنى آخرمختلف عن المعنى الذي أدمجنا فيه المؤثرات التي تنتهي بكونها أعمال طبيعية . وتجدرالإشارة إلى أن لاشيء يعوض شيئا آخروبمقدورنا من دون شك أن يمضي ولفترة طويلة في اللعب على الحاسوب ) التناظرية .
لقد إندحرالفن المسرحي إلى الأزمة بسبب ظهورالصورة السينمائية ورغم هذا لم ينقرض بصفة نهائية ؛ كما أن الصورة لم تلغي فن الرسم والفن التشكيلي إلاّ أن كل هذه المجالات قد غيرت مواقعها أوتم تعويضها بواسطة تعميم الآليات الجديدة وهذا يعني الكثيرمن التحولات التي سوف ننتظرها من هذا الإقتصاد والأشكال والعلامات الكامنة في
فكرة سلطة ( المادة ) وأن نتحدث عن الصورة فهذا قد بات شيئا صعبا وغامضا .

تعليق الشاعر الرقمي العراقي مشتلق عباس معن

الفاضل عبده حقي
تحية من القلب
أنا لست من المولعين بحفظ الملفات من النت كثيرا ،على الرغم من ولعي بالشبكة العنكبوتية ، ولدي ملف أختزن فيه المهمات مما أحفظ – على قلتها – ، واليوم جعلت ترجمتكم هذه ضمن المهمات تلك قبل أن أقرأها ، لسببين :
- ذوقك العالي في الاختيار لما تترجم أو تكتب
- أهمية الموضوع من العنوان ، وفي الدرس الحديث يولى العنوان عناية فائقة …
شكراً لك سواء أحتفظت بالملف بعد قراءته أم حذفته ، فجهدك واضح ، وأهمية المنطقة المعرفية التي تحفر فيها بائنة أيضاً …
تقبل مني شكراً كبيرا
د مشتاق عباس معن

 
 

 
 

 

 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free