8 أزمة مفاهيم السرد الرقمــــي
عن صحيفة : فريسناو
تبدو الفنون الرقمية اليوم بمظهرين ، فهي خارج تصنيفات الفن المعاصرمن جهة باعتمادها على تقنياتها الخاصة ومن جهة أخرى بظهورها الطوباوي ؛ كما يتم إدراكها كعملية إنطلاق وإقلاع بوسائل مادية تندمج في ماهو سابق للإدراك ويعتبرأيضا مجالا خاصا ومصنفا بسنده الذاتي وأشكال إنتاجه التي تستدعي تواطؤا ما يأتي رائعا ونشازا في نفس الوقت .
إن هذه الصورة المتناقضة حيث يؤسس أعداء وأصدقاء الفن الرقمي على السواء براهينهم على نفس البنيات نقول إن هذه الصورة هي بمثابة مقياس ريختر لثقافتنا كما أنها تلعب دورعرض من الأعراض المرضية لهذه الظاهرة الحديثة .
هناك إذن قلق ما .. إننا نتردد في توظيف مفاهيم لهذه الظاهرة ومفاهيم لنقدها الجديد ، ونحتارعلى أي رجل سوف يرقص وسطاء الثقافة وفي حال ما إذا رفت جفونهم فهل سيقدرون على الكلام إذ أن المعجم الجمالي لهذه النقلة الفنية الرقمية سوف يرتعش لامحالة من فرط دهشته بالرقمية .
إننا إعتدنا أن نقول فن ؟ عمل فني ؟ مشاهد ؟ جمهور ؟ فماهي الكلمة الملائمة ؟ تبدوإذن هذه اللغة مترددة حيث كل واحد من المهتمين بالمجال الرقمي يحاول أن يستحدث قاموسه كي يلم بالفن الرقمي في تفرده وبعلاقته مع التقاليد ووضعه في السياق التاريخي ، تارة من أجل إلغائه وتارة أخرى من أجل إعطائه الأهمية اللازمة قصد وضعه في إطار زمني وإختراع زمانيته التي قد تعود إلى العصورالغابرة . كل هذا يوضح العدد الهائل من المعاني والمفاهيم المشتركة والجهل بأشكأل إنتاجها من جهة ثانية . إن الفن الرقمي ليس شكلا واحدا لذا يتوجب علينا أن نكون صارمين في إقتراح ووضع المفاهيم النقدية الملائمة له .
بإمكان أي فن يمكنه أن يكون معاصرا في ذاته ؟ ثم إننا لانستعمل هذا المفهوم ( فن) كي نتحدث عن إنتاجات محسوسة وملموسة لكن من أجل أن نستند إلى إيديولوجيا تربطه بشيء معاصرفي ذاته وفي ذاتنا نحن أيضا والتي لاعلاقة لها بالواقع المعلوماتي الراهن .
هناك مجموعة من الأشياء الجمالية يمكن أن نراها كمؤثرأوليمن هذه الكلمات الفيتيشية للثقافة التي تأتي منذ زمن محدد مدا هائلا من المصاريف.فهل أضعنا الطريق !؟ يبدوالكل كما لوأن الفن الرقمي خشبة مسرح تمكننا من إعادة لعب أدوارالتوترات والكلام الهائج وكل أشكال الفن المعاصر... إنها طريق من أجل العودة إلى ماض لم نستطع أن ندفنه .. ماضي لم يتوار، نحن الذين توهمنا أننا قد
تجاوزنا هدم الجمالية هناك العديد من المشاريع الخالدة التي تتغيا خلق مشاهد خاصة . إن التعارض يكمن بين الفن والتقنية وبين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية ، فهل هذا سيثيرتعددا في المعاني أي ( بوليسيمياء) لمفهوم ( التقن)teckhn. لماذا نريد أن نجعل من الفن الرقمي ثورة تسحق كل شيء أمامها أوحدثا ليس بوسعه أن يغيرأي شيء !؟ إنه إضطراب وأستقرار في نفس الآن و مازلنا نعيش طفرة الفن الشعبي Pop-Art . أيضا هناك الكثيرمن المهتمين من إكتشفوا أن إنتاج صورفي نموذج مضبوط ومعياري standard ليس بنفس الأمر كإنتاجها من أجل شيء مقدسوأن الشيء الوحيد الواجب القيام به هوإستثمارالصورالموجودة ، والتنقيب في المخزون المتوفرلدينا كي نقدم صورا ، مبتذلة ، ووضعها إلى جانب هيكل مقدس ، سواء قمنا بخلقها أوباجترارها مرات ومرات .
وهناك وجه آخر أكثرروعة مما سبق ، نسميه مابعد ـ إعلامي الذي يتطلب الإتيان بالمتفرد لنبين أن هذا الأخيرمازال في طورالنشأة ولم يكتمل بعد .
لكن لتحقيق هذه الغاية علينا أن نرفع أصواتنا ونقربأن هذا غيرممكن مثل كل الشذرات التي ( تتشظى) بدورها إلى مالا نهاية وأننا لا نستطيع بتاتا أن نجمد المشروع في شكل محدد ، باختصاررواية بوليسية مثلا حيث التحقيق هومتاهة من المتاهات أيضا ؛ وغياب هذا الصوت يمكن أن يترك فينا آثارا سوف تكون بدورها مؤقتة مثلما هوالشأن في ( رحلة لامعة ) لبيير ويغ الصادرة سنة 2002 ؛ وفي مواجهة وسائط الإتصال يجب علينا أن نتجنب هذه الهشاشة الطفيفة ، المتمثلة في سيناريو توثيق مشروع قادم لامحالة سوف نصل إليه بهذا السيل المعلوماتي غيرأن سياقات أخرى ناشئة وأشياء أخرى وعوالم أخرى متراكمة سوف تتمكن من تغيير واجهة كل شيء .
إن المد الذي نعيشه إذا كان فيما قبل مؤقتا ــ مثلا السينما باعتبارها استعارة تحرك الوعي ــ فإنه أصبح اليوم فضائيا . ما عمرموقع إلكتروني أوأي بنية تفاعلية ؟ يستحيل أن نجيب لأن الزمن رهين بالإبحاربالمشاهد/ الممثل spec-acteur بينما في السينما فإن الزمن هو نفسه بالنسبة لجميع المشاهدين رغم أن الفترة مختلفة ويمكننا في المقابل أن نصنف طوبوغرافيتها . إن هذا التحول في التصنيفات هذا المد الرقمي يوافقه تحول في محتواها وهونفسه الذي يصيرمعلوماتيا باعتماده على ما هو مرجعي ويقوم بالتأثير في بنية وعينا . إن المنتوج الفوتوغرافي سواء أكان جامدا أم متحركا يعتبرأثرا موضوعيا قائما على ضوء سابق . إنه دال أكثر و يمثل تسجيلا مؤقتا . والمعلومات المتواجدة على سند رقمي تعتبر ميتا ـ دالة ، ولكي نستثمرها فهي تتطلب معلومات تسمى أيضا ميتا ـ معطى تمكن تفضيتها في حيزما . إن الوسائل السمعية البصرية قد إستطاعت تطويق البنية المرجعية للعالم المحيط بنا ، لأن هناك القليل من القنوات لعدد هائل من المشاهدين . والعالم المعلوماتي حيث المتلقي هوأيضا وبشكل فائق مرسل بما أن الآلات المستعملة هي نفسها متوفرة لدى الطرفين معا ــ المتلقي والمرسل ــ إن هذا العالم يضاعف من الصورالدالة بدون الحاجة إلى مرجع ما ؛ بينما تبقى المعلومات مجرد رؤى متنافرة تتصادم فيما بينها ، تتضارب ، تتجاهل بعضها بعضا ، ولاشيء بمقدوره أن يكبح تعددها . وبهذا المد المعلوماتي ، فإن صوت السارد لايتيه ويضيع في ما هو مختلف فقط بل إنه يتحمل تعددية حادة ، إن أي صوت يمكنه أن يصيرصوتا ثانيا وهذا الأخيرهوأيضا يصيرصوتا ثالثا وهكذا دواليك . لم يعد الصوت صوت السارد معبرا عن عالم موجود سلفا كما لم تعد له تلك النوستالجيا اللازمة لاستراتيجيات ما بعد ـ إعلامية ، بل إنه يمثل الشكل الخارجي للعوالم . إن هذا الصوت ليس شكلا إفتراضيا تعرض للفشل ، إنه سيبقى شيئا ممكنا يختلف عن نفسه .
إن الطارئ والمعلوماتي المبنين على شكل قاعدة معطيات تنتج عنه أشكال جديدة من السرود التي لاعلاقة لها بنموذج السينما .
ولم يعد السرد هوالكتابة المؤقتة ، لكنها الكتابة المكانية والمتفضية . لقد بقيت مرحلة مابعد ـ إعلاميةفيما قبل مهدمة وأن الرقمي هووسيلة نقل للمعلومات .
وفي الحقيقة إن هذه المعلومات التي هي بمثابة ذرات تؤثر بعضها في بعض وتعتمد على خاصية مبنية
على نفس العناصرالثنائية الزوجية ( 1، 0) وهي بهذا الشكل تكون قابلة للتحول . يمكن لكلمة أن تتحول إلى صورة .. والصورة إلى صوت .. والصوت إلى كلمة إلخ . إن هذا التحول يتسبب في تنقلات فجائية .. إننا نسميها شبكة Reseau .
يستخدم مابعد ــ إعلامي تقنيات معطاة ومضبوطة : السينما ، الفيديو ، والصورة إلخ وبهدمنا للمرجع والكليشيه فإن هذا التحول يسهم في تخليدها : والسرد يحدثنا عن شيء نعرفه مسبقا وهويعمل فقط على إقحام وجهة نظرنا بكل بساطة ...
ومن جانبه فالرقمية لاتستعمل تقنيات فحسب بل إنها تقترح تقنولوجيا ، بمعنى آخرتستعمل خليطا غريبا بين التقنية واللغة ؛ وبهذا لم تعد التقنولوجيا معطاة بل إن بنيتها في طريق التشكل والتحول ... إن البرنامج يقوم بتنويعات وترديدات وعمليات . ونحن لم نعد نعمل على كليشيهات وفي الحقيقة الأمرإن التقنو/ لوجيا لم تعد لها وسائل كما يعتقد الجميع ولم تعد هي الوسائل لبعض الغايات ولم تعد تصلح للتعبيرعلى أفكار بل إنها صارت متمددة ، فجائية وغيرمرتقبة ، وهناك العديد من العناصرالمهيأة في قاعدة المعطيات ، وفي الشبكة العنكبوتية world wide web حيث نجد مجالا نظاميا ونجد أيضا برنامجا يبحث عن موارده وغذائه .
إن هذا القالب هوالذي يحافظ على العامل المحتمل والفجائي الذي نكتبه اليوم ؛ ومن دون تخطيطنا للأهداف فلن نعرف النتائج الآتية والصمت الذي يرين علينا هو نفسه الذي نتقاسمه الآن .
|