11 الكتاب الرقمي ومستقبل النشر
عرض : أوليفيي جينون
بداية ماذا نعني بالكتاب الرقمي ؟ إنه من وجهة نظرتقنية يعني ملفا معلوماتيا يتضمن نصا ومعلومات
إضافية عن معالجته الرقمية ؛ إن أي كتاب مخطوط على الحاسوب وقبل عملية طبعه هو بالدرجة
الأولى كتاب رقمي . ولنتساءل عن صورته الرقمية هاته هل هي بمثابة كتاب أم لا ؟ قد نرتاب بخصوص
هذا التعريف إذا ما رجعنا واستندنا إلى قاموس بوتي روبيرPetit Robert الذي يحدد مفهوم الكتاب كحجم كبير لعدد من الصفحات ؛ وبهذا يكون الورق والكتاب شيئان مرتبطين أحدهما بالآخروهنا يتبدى
الغموض الأولي لهذا المفهوم : إن الكتاب الرقمي وانطلاقا من التحديد السابق يصعب تحديد مصطلحه لأن ما نحدده هنا بالضبط هوالمادة الورقية وهذا في حد ذاته نقيض لمفهوم الرقمي ...
إننا نرفض من جهة إعتبارالكتاب الرقمي إمتدادا للكتاب الورقي واعتباره ــ الكتاب الرقمي ــ من جهة ثانية مجرد وجه آخرمرقمن لكتاب منشوربطريقة تقليدية... إن تصورا كهذا يعد إختزاليا وضيقا ؛ وهولايأخذ بعين الإعتبار بعض الكتب والروايات التي صدرت أصلا عن النت والتي لايعتبرها البعض منشورات رقمية بل مجرد ملفات إعلامياتية Fichiers informatiques .
إن النقاش والسجال الدائرين حاليا حول الكتاب الرقمي يندرجان في إطارتطورالشبكة النتية ؛ فبواسطة
الكتاب الرقمي تمكن النت من نشرالأعمال الأدبية والعلمية بنفس الدورالذي قامت وتقوم به المكتبات
والبريد في إطارخدمة البيع عن طريق التراسل . فلم يعد دورالشبكة النتية مقتصرا على تلبية بعض
الخدمات ولكنها أصبحت طرفا أساسيا في نشرالأغراض وإذاعتها كيفما كانت رمزية أم مادية ونشرها فورا وبتكلفة بخسة جدا وبسرعة ضوئية مستقلة عن المسافات الأرضية الطبوغرافية بين المرسل والمرسل إليه على المستوى العالمي ... إن هذه الثورة هي ما يخيفنا اليوم كثيرا إذ أنها تعمل على
توريط المنظومة المكتباتية التقليدية ووضعها موضع قلق وإحراج إن النت بتجاوزه هذا لشبكة التوزيع
التقليدية بدا كتهديد علني لنظام المكتبات التقليدي، فقد مكننا النت من إقتناء أغراضنا الأساسية
والكمالية عن طريق المراسلة وبثمن زهيد بفضل كاتالوجات جاهزة ... و شرعنا منذ سنين قليلة في تأسيس مرحلة جديدة بواسطة الكتاب الرقمي إذ أن النت صار يوزع المنتوجات الجاهزة وبذلك فهو قد أسهم في الإيقاع بالمكتبات على حافة الأفول بله وتركين بعضها في متاحف العصورالورقية الغابرة !!! إن أية قناة للتوزيع لابد وأن تتطلب وقتا طويلا كي تجد لها مكانا في عالم النشر، واليوم نلاحظ أن الكتاب الرقمي وفي سنين وجيزة قد تمكن من الوقوف الند للند مع الكتاب الورقي في نظرشريحة لابأس بها من القراء .
لذا نقول علينا أن نسرع في العمل وننسى العامل الوجداني الذي عبرعنه الكاتب ( بيناك) في كتابه ( مثل رواية) ( Comme un roman ) الذي يربط فيه بين الكتاب والقارئ ، إذ في رأيه أن للكتاب
الورقي جانبا عاطفيا ووجدانيا فضلا عن حمولته الفكرية والأدبية ... فهل قراءة كتاب ما على الحاسوب على صورة ملف أو مطبوع على الورق من حجم A4 هل هذا سيعوض الكتاب أي كتاب بما في ذلك
كتاب الجيب !؟ إذا كانت الإجابة على هذا التساؤل بالرفض ومن دون شك ستكون إجابة القراء أيضا بالرفض ، فالكتاب الرقمي يجب أن يعتبر وسيلة للتطوروالتقدم واختزال المسافات ، لكن ماذا قد يكون جواب قارئ يرغب في الإحتفاظ بهذا الكتاب ( التحفة ) في رفّ مكتبته !!؟
إن القدرة على البحث العلمي قد أصبحت سهلة المنال بواسطة الإعلاميات كما أن البحث عن تيمة محددة قد بات أكثر يسرا وتبسيطا وبهذا صارالسؤال الإستعجالي هو: كيف يمكن إستثمارهذ المعطى الجديد من أجل حل العديد من الإشكالات المتعلقة بالنشر وإعطاء دفعة قوية للثقافة الوطنية ؟ إذ أن تطورالكتاب الرقمي قد يشكل فرصة تاريخية لعموم الناشرين في العالم أجمع ...
لقد تمكن النت من خلق مقاولات جديدة ظهرت كي تعطي للكثيرمن آليات النشرالتقليدي أحدث ما أبدعته
التكنولوجيا في مجال ترميم الكتب والمخطوطات القديمة...إن هذه المقاولات أصبحت تستعمل النت من
أجل تسهيل عملية البيع عن طريق التراسل كما أنها صارت قنوات ناجحة لتوزيع الكتاب الرقمي . وقد
إستطاعت بفضل التخزين الرقمي من الإستغناء عن فضاءات وأقبية التخزين ( Stock ) وتدبيرشبكة التوزيع المعقدة والطويلة وهكذا تمكنت من بيع العديد من الكتب وخصوصا الأعمال الروائية وبفضل
هذاالنظام الرقمي الجديد قد ُتبادردورالنشرالرقمية إلى إرتياد شتى أشكال المغامرات التي لن تستطيع دورالنشرالتقليدية الإقدام عليها . وبفضل النت سيجد الناشرون المفاتيح السحرية لمشاكل النشر وسيتمكنون من خلق جمهور ملحاح فيما يخص الكتب الأكثر مبيعا ( The Best-Sellers ) فقد شق الكتاب الرقمي طريقه السيارباتجاه العالم الورقي وبإمكانه في المستقبل القريب أن يقتحم الكثيرمن الأسواق .
وبصرف النظرعن هذه الصورة الملتبسة أحيانا والمتفائلة أحيانا أخرى فإن النت والكتاب الرقمي أساسا
قد يأتي بإشعاع جديد بالنسبة للثقافة الوطنية وذلك بجعلها رهن إشارة الملايين من القراء على الكوكب الأرضي ، سواء في بيكين أو في البرازيل أوالرباط سواء أكان المتلقون والقراء فرونكوفونيين أو أنجلوفونيين أو عربوفونيين ...
لقد بات من الآن الحصول وبثمن بخس بل بالمجان في بعض الأحيان على نسخة كلاسيكية رقمية في
نفس الوقت الذي تصدرفيه نفس النسخة في مكتبة ما وبالتالي فقد بات أيضا على المسؤولين في
المجال الثقافي وضع تصورما لسياسة طموحة بهدف نشرالموروث الثقافي الأدبي والفكري والعلمي على صفحات النت وجعله رهن إشارة كل المواطنين فالنت والكتاب الرقمي هما الوسيلتان القادمتان قريبا للإسهام في عجلة التطورعلى مختلف الأصعد .
|