وسائـط الإتصال
وتقنيات التأثـير
عبده حقي
يرتكزمفهوم التأثيرعلى قدرة سيكولوجية يوظفها المرسل من أجل إقناع المرسل إليه قصد تحفيزه على تقليده أوتغييررأيه ومزاجه وسلوكه . ويرتكزفي جانب ثاني على بعد إجتماعي أوسع يتعلق بالميديا ووسائل الإتصال والمثقافة والأنتلجينسيا وعموما كل مايسمى بشبكات التأثير. لكن للتأثيرأيضا وجها ثالثا كشكل من أشكال السلطة في معناها العام فهولايبرزفي علاقاته بالسلطة مباشرة أوبالعنف اوبالعقود التي تربط بين الأشخاص وبالرغم من عدم إرتباطه بهذه القوى فهويؤثرفي الأشخاص بل إنه يصيروسيلة جيوبوليتيكية ، كما يتعارض مفهوم التأثيرمع القوة بماهي قدرة ضغط يمارسه بعض الفاعلين السياسيين على المستوى الدولي من أجل كسب الدعم والموافقة .
وبعيدا عن شراسة الحروب فالتأثيرقد يأخذ أيضا شكل حرب مضاعفة بواسطة وسائل الإتصال . فليس هناك أي عمل أوتحرك لدولة ما أو أي خطاب يجري في ردهات الأمم المتحدة أوأي مؤسسة أخرى لاينهض على بعد إقناعي يروم تغييرموقف الآخر، بل قد يمتد دوره إلى درجة أخطرحين يتعلق الأمربالتحريض على إرتكاب أعمال إرهابية .
لايمكن أيضا أن ننسى مفهوم (التأثير) الإيديولوجي خصوصا في عشريات الحرب الباردة بين معسكري الأوتان ووارسو، حيث كانت القوى العظمى تسعى إلى الإستحواذ على مواقف السلطات في البلدان العالم الثالثية لاتستدراج رضاها وكسب موافقتها عن طريق الضغط بسلاح التأثيروالإقناع .
إننا نعيش اليوم زمن ديموقراطية الرأي والرأي الآخر.. زمن إنفجاروسائط الإتصال .. زمن صعود قوى الخبرات والتخصصات .. زمن سلطة الأخلاق .. زمن منظمات المجتمع المدني .. زمن تدويل التيارات .. زمن إرتفاع الأصوات المنادية بالحكامة الجيدة .. وهذه مستويات كلها تعتمد آليتي التأثيروالإقناع وسيلة أساسية لتحققها .
أحيانا يبدومفهوم ( التاثير) مثل رأس (جانوسي) (Tete de JANUS) أي رأس بوجهين ، وجه يرى إلى جهة التهدئة ، يناهض التسلح ويطمح إلى التصالح ، يدعوالآخرين إلى إقتسام المصيروردع كل من سولت لهم أنفسهم إستعمال القوة لحل النزاعات .. التأثيرهنا آلية من آليات إمتصاص العنف وكبح جماح القوة ... أما الوجه الجانوسي الثاني لمفهوم التأثيرفهو عكس كل هذا ، يحرض على الإعتداء والإضطرابات وتشويه المعلومات الحقيقية أوالتحريض باستعمال المعلومة المغلوطة .
نظريا توجد مستويات لطرق التأثير:
ــــ الإشعاع
يتعلق الأمرهنا بقدرمن البريستيج والقبول وفرض الرضى .. فإشعاع دولة ما يقاس بمجموع القيم التي تقوم عليها ، بصورتها في المنتديات الدولية ، بشخصياتها المشهورة ، بانتشارثقافتها ، بآدابها وفنونها ، بصناعتها السمعية البصرية ، بقدرتها على تركيزصناعتها التقليدية خارج حدودها ، بقدرتها على تحفيزالآخرعلى إستعمال لغتها الأم ، بسمعة جامعاتها ومعاهدها ومؤسساتها ، بتعدديتها السياسية ...
ــــ الإقناع
يعمل الإقناع على تعبئة مختلف الآليات والتقنيات من أجل تحفيزالآخركي يوافق على رأينا وموقفنا سواء أكان موقف صواب أوموقف خطأ.. يتعلق الأمرإذن بدفع الآخرإلى الإيمان بصحة واقع أوإعتماد حكم قيمة خاص ، فالسفسطائيون والخطابة القديمة والدعاية الدينية أوالسياسية منذ القرن السادس عشرإلى اليوم ، والإعلانات والإشهاروكل التقنيات المعاصرة التي تحمل إسم الماركوتينغ السياسي ليست كلها سوى تنويعات لمفهوم واحد هو (التأثير) وعكس هذا فقد مرت العشرات من السنين في البحث في حقل الأعمال السوسيونفسية لوسائل الإتصال منذ 1920 أبحاث ودراسات تشبه إلى حد ما أطول تعليق على مايسمى بسلطة الميديا أوسلطة الراي الطليعي أوسيادة التوافقات الإجتماعية والأقليات النشيطة حيث يروج دائما في خطابها اليومي مفهوما (الإقناع والتأثير) كمفهومان
مترادفان.
أما البعض الآخرفيرون في سياسات التأثيروالإقناع إستراتيجيا لخطاب موجه من أجل كسب العواطف والأحاسيس ، وإثارة كلمات مقنعة أو صورمثيرة تبدو سهلة المنال في عصر العولمة والتواصل ، فباستطاعة الجمركي أن يحجز منتوجا فاسدا ومضرا بالإستهلاك الداخلي لكنه ليس باستطاعته إعتراض فساد المعلومة الهدامة المبثوثة عبرالفضائيات والقنوات التلفزية أوعبرإلكترونات الإنترنيت.
ـــــ المراقبة
يمكن أن تكتمل إستراتيجة الخطاب باستراتيجية الموجه VECTORهو من يهيئ الأجندة كما يقول الأنكلوسكسونيون وهومن يوجه الإهتمام إلى موضوعة ما أومناقشة ما وبكل بساطة هو من يملك مفتاح الميديا بمعنى آخريملك فرض نظريته الخاصة للعالم أو نشربعض المعلومات والأخبارالمؤازرة لمواقفه. إن تعدد الفضائيات الدولية ، بلغاتها المتعددة تقدم الدليل القاطع على ماقلناه سابقا . فهناك (س.إن.إن) وقناة (فوكس الدولية) و(البي بي سي) وقناة (الدوتش ليفي) وقناتي (الجزيرة) و(العربية) و(السي سي تي في) و(روسيا توداي) و(فرنسا 24 ) وربما غدا إطلاق قناة تلفزية إفريقية وبسؤال آخركيف يمكننا أن نخاطب الإنسانية إذا كنا لاملك قناة فضائية عالمية في المستوى .
ـــــ إعادة التشكيل
هي المرحلة التي قد تمدد من الإقناع ومراقبة تدفق المعلومات ، يتعلق الأمرهنا باللعب على الأكواد وعلى الفئات والأصناف التي يستعملها الأشخاص الآخرون ، وعلى المفاهيم التي يعتقد أنها تتضمن الحقيقة . هناك العديد من أشكال الصياغة مثل إنتشارالفلسفة الماركسية اللينينية ، أو إنتشارلغة عالمية أورد فعل منظمات المجتمع المدني المناوءة لنظام إستبدادي حاكم أوالمؤيدة لجمعيات مدنية في بلد آخرأو تبني نظام محاسبة أو معادلة ديبلومات أو إختياربعض المعاييرالتقنية أو قيمة نظام تربوي .
ـــــ الإلهام
وهي تقنية ماكرة حيث الإيحاء يؤثرفي سيرورة القرار، فالفكرة ترحل من رأس إلى رأس ، تترجم وتتبنى باستمراروالأفكارتصلح أساسا للعب الدورالثقافي الجماعي الذي يمنح لذوي القرارحلولا، إقتراحات ، شبكات للتحليل والتي تترجم في نهاية السلسة بتدابيرفعالة لكن منظمات المجتمع المدني أواللوبيات تحكم هي أيضا قبضتها وخبرتها وذلك بإنتاج التحاليل والمواضيع وأحيانا عن طريق تصريحات تبثها وسائط الإتصال والإعلام أوالطبقة المسيطرة ، إن إختراع مفهوم التنمية المستدامة هوبالضبط شكل هام من أشكال التأثيروالإقناع غيرأن الإنتاج لايكفي بل يجب البحث عمن يخلفوننا ، تركيب مجموعة أفكاروجعلها تسيرإلى هدفها وأخيرا إختيارالوسائل يعني إختيارمسلسل من ثلاث محطات هي (الكوسميتيكا ـ الباليستيك ـ اللوجيستيكا )
ـــــ التحرك
من دون شك أن الشكل الأكثروضوحا للتأثيرهوتأسيس نوع من التعاون لأجل أهداف وغايات جماعية وربط علاقات شخصية ، ثقافية أوغيرها ولأجل إختيارمستويات العمل فكل الناس يستعملون هذه الوسيلة ــ التأثيرــ كل يوم لأجل الحصول على إمتيازات أوالدفاع عن مصالحهم .
لكنه أيضا طريقة للعمل السياسي بواسطة اعتماد الرأي وبموازاة مع هذا هناك مفهوم يلعب دورا متصاعدا مع تطورالإنترنيت وإنتشاره المذهل ، إنه مفهوم (الشبكة الإجتماعية) فهي تمكن من خلق علاقات عفوية ، إبداع وإنتاج آراء وطرح أسئلة حول السياسة الدولية وخلق أفكاروآراء عابرة للقارات والتي قد تستلهمها وسائط الإتصال التقليدية ، فكل (تأثير) يرتبط بشكل أوسع بشروطه التقنية المتوفرة .
ولنعطي مثالا على ذلك فظهورالويب 2 .0 الذي يعني تطبيقات جديدة للتعاون عبرالشبكة العنكبوتية مثل المدونات والمواقع الإلكترونية ، تبادل مشاهد الفيديووالموسيقى وكل أشكال XML . إن هذه التقنيات الجديدة تترجمها إبداعات ثقافية واجتماعية كانتشارالصحافة المواطنة ، تعدد الفضاءات التي تمكن كل فرد لينشرمن دون رقابة مشروعه وترسانته التقنية .. إن الإنترنيت إنسكلوبيديا جماعية حيث بإمكان كل إنسان أن يشارك وأن يطورشبكته الإجتماعية التي يقتسم معها نفس الغايات .
|