من سيربح الحرب الصحافية في المستقبل ؟
عبده حقي
إستطاعت موجة العولمة أن تغيرمن وجه الحياة اليومية في مختلف صورها وفي جل المجتمعات المتقدمة أوالتي هي في طريق النمو، وامتد تأثيرها إلى مجال الصحافة بشكل لايقل أهمية عن ميادين المواصلات والمال والأعمال …إلخ ما جعل الصحفيين (الورقيين)
أي الذين يشتغلون في مؤسسات الجرائد الورقية وليس الرقمية يطرحون السؤال الملح والقلق : ما مصيرالقلم الصحافي أمام تسونامي العولمة والإنترنيت والإختراعات الرقمية ؟
إن الأنترنيت بعد أن أصبح واقعا يوميا ــ سواء قبلنا به أم لاــ فقد تمكن من السيطرة على بنيات النشاط الإقتصادي والفكري للإنسان في شمال الكرة الأرضية كما في جنوبها ؛ في
شركات النشر، في الصحافة ، في الإشهار، في التجارة والصناعة ، في التعليم في الأدب والبحث العلمي على الخصوص وقد وجدت الصحافة الوطنية بزيها التقليدي وبالخصوص المحلية والجهوية نفسها في مواجهة هذا التحدي الجديد :
فالوصول إلى مصادرالخبرقد بات في متناول الصحافي كما القارئ المفترض أوالعادي سواء بسواء ، وتقلص دورالصحافي كوسيط إعلامي بين الخبروالجمهور، كما تقلصت المسافة بينهما أيضا !
وهذا يعني بشكل من الأشكال أن مهنة المتاعب ( الصحافة الورقية) قد أوشك أن يبتلعها
طوفان الأنترنيت وقد يصلي عليها الصحفيون الورقيون في الغد القريب صلاة الغائب .!!
إلاّ أن هناك ثلة من الصحفيين المتفائلين ما فتئوا يتشبثون بخيط العنكبوت الواهن ويرون عكس تلك الصورة القاتمة عن مستقبلهم وقوتهم اليومي ، فالقراء سيظلون كما كانوا دائما وأبدا في حاجة إلى ذلك الجسرالضروري ، إلى تلك اليد الخبيرة والمهنية مثل يد الطبيب أوالمهندس
أوالخبيرالقانوني ، تلك اليد التي تأخذ بهم من أجل الفهم وانتقاء الأخباروالمعلومات ووضعها في سياقاتها اللائقة والملائمة ؛ لكن إذا رغب الصحافي في مقاومة أمواج النيت العاتية فعليه أن يعثرعلى وسائل جديدة لاجتذاب إهتمام القراء وجمهورالجريدة .. واليوم إذا كانت الأخبارالعالمية أوالوطنية تبيت تحت وسائد الجمهورمثل الرسائل الخاصة بفضل هذه الطيورالديناصورية الإعلامية التي تهبط علينا من سماوات الساتلايت وتجثم على صدورصحوننا المقعرة ، هذه القنوات العالمية التي تشبه براميل البارود أوقمامات ملآى بالأشلاء الآدمية وكذلك بواسطة الصحف الإلكترونية وعبررسائل المايل وحتى عبرخدمة الرسائل القصيرة SMS ( قناة الجزيرة والعربية نموذجا) ما جعلها ــ الأخباروالمعلومات ــ أقل قيمة مما كنا نترقبها بالأمس بعطش شديد ونحن نلتم حول جهازالرايوالضخم ، فقد بات على الصحافي راهنا أن يبحث عن قيمته المضافة من خلال المعلومة الطازجة والمصادرالموثوق بها والذكاء الحاد وقدراته المهنية المتجذرة في التجربة الطويلة وثقافته الواسعة وتكوينه المستمروبحثه الدؤوب عن صورة مصداقيته وأخيرا عن المفتاح (الباس بارتو) الذي يفتح به كل الأبواب الإدارية والمؤسساتية… إنه بات مدعوا أكثرمما مضى كي يصبح المرشد والبوصلة الأمينة لقراء جريدته التائهين وسط زوبعة الجرائد الوطنية والمحلية التي تنمو يوما بعد يوم كالفطرعلى الأرصفة وعلى أبواب الأكشاك تحت يافطة حرية الإعلام وحق المواطن في الخبرومن جهة أخرى سلطة دولارالإعلام العالمي الذي لايختلف خطره عن خطرأسلحة الدمارالشامل .
ولا يقل قلق الأدب عن قلق الصحافة في حربهما المضمرة والمعلنة أحيانا في مواجهة طلائع الجيوش الإفتراضية صنيعة التكنولوجيا الرقمية ، فالكتاب الرقمي قد أقلع بسرعة ضوئية وبات باستطاعتنا قراءة العديد من الأعمال الأدبية والفكرية على شاشة النيت .
غيرأنه إذا كانت القراءة الورقية لم تغرب شمس حضارتها بعد فهذا لايعني البتة أن النيت لم يؤثرعلى صورالإبداع الأدبي . فنحن حين نكتب على الحاسوب نفقد الكثيرمن ملامحنا بكل تأكيد ، نفقد مميزات خطنا .. لون بصماتنا .. وعموما مساحة شاسعة منهويتنا الفردية ، إننا نشعركما لوأننا لم نمرعلى رقعة الورقة البيضاء أولم نترك من وراءنا آثارا خطية لخلفنا مثلما تركها لنا الأسلاف المفكرون والعلماء على سعف النخل وأوراق البردي وجلود الحيوانات والألواح الخشبية وعلى حيطان الكهوف والمغارات…إلخ إننا نقوم من أمام الحاسوب من دون أن نترك آثار المحووالتشطيب وكل الرموزالكاليغرافية التي تسهم هي أيضا في تشكيل ذاكرة النص المنسي ، من دون أن ننتبه إلى أن تلك المسوّدات قد تسعفنا من الداخل بكل ما يصطخب فيها من طابوهات ورغبات ومراجعات وهي ـ المسوّدات ـ تعتبرمختبرات حقيقية لدراسة سيكولوجية الأدباء والصحفيين خصوصا على المستوى الأتوبيوغرافي…
ولقد أسهم النيت بشكل كبيرفي توسيع دائرة المجتمع المتعلم وبسرعة قصوى وهذا الواقع النتي الجديدلاشك أنه غّيرمن عادات شرائح المجتمع وخصوصا الشباب منه الذي كان هائما على وجهه بالأمس في الحدائق والشوارع يعاكس الفتيات أويدمن على التدخين والمخدرات فقد صاراليوم يدخل غرف الشات ويتبادل الأحاديث بلغات عالمية ومع جنسيات مختلفة ، ومما لاشك فيه أن الكثيرمن سلوكات حياتنا اليومية قد تغيرت وستتغيرأيضا معها ميادين الإنتاج الأخرى الرمزية منها والمادية ومن بينهما الصحافة والأدب باستثمارهما لأحدث تقليعات التكنولوجيا الرقمية الجديدة على المستوى الإخراجي والتقني والجمالي ، والسند الفوتوغرافي ، غيرأن هذا لايمنع من القول أن رغبة الإنسان في التعلم والفهم والخيال والتدوين هي رغبة قديمة حتى قبل ظهورالمطبعة والهاتف والراديو والتلفاز وأخيرا هذه القبعة السحرية (الأنترنيت) التي لانعلم ماذا سيطلق منها الساحرالكبيرفي المستقبل المتوسط أوالبعيد!!
|