هل الإنترنت مهدد بالإختناق بعد 2010 ؟!
إعداد : عبده حقي
يتوقع بعض الأخصائيين في مجال الإتصال والتقنيات الجديدة للمعلوميات أن شبكة الإنترنت مهددة بالإختناق بعد سنة 2010 وأن الوضع منذ اليوم ينذربكارثة قادمة قد تقود إلى إنهيارمحتمل لهذا الصرح التواصلي والمعرفي العالمي .
وللرد على هؤلاء المتشائمين بدورنا نتساءل بداية حول مدى صحة هذه الإدعاءات وإلى أي حد تمتلك الحقيقة القاطعة . ولتفنيدها لابد لنا أن نعود وفي إلتفاتة تاريخية سريعة إلى عشرسنين خلت لإثارة العديد من التوقعات التي وردت في نفس الموضوع وقتئذ .
إن أولى أصداء هذه الإدعاءات المتعلقة باختناق أوإحتقان الإنترنيت (Saturation) إنطلقت بين سنوات 1995 و1998 وقد تميزت هذه المرحلة بإنفجارتعميم الربط الشبكي حيث إنطلقت فكرة دمقرطة هذه الوسيلة وجعلها رهن إشارة مختلف الزبناء ومن مختلف الشرائح الإجتماعية والأعمار، وقد عرف عدد المنخرطين في إوروبا إرتفاعا ملحوظا إلى درجة أن الكثير من المهتمين شرعوا يتساءلون حول الطاقة الإستيعابية للشبكة العنكبوتية هل بمقدورها في المستقبل أن تلبي حاجيات الربط لكل هذه الجحافل من المنخرطين أم لا. وقد بدا الأمر في رأي الكثيرين مستحيلا .
في أواخر التسعينات تصاعد منسوب إستعمال أقوى للإنترنيت إذ بات يشكل شرطا اساسيا لمصادر المعرفة والتواصل والإسهام في تحقيق السعادة الفردية والجماعية بما يوفره من متعة سمعية ـ بصرية ، وقد كان الولوج إلى فضاء الشبكة يتم عبرK 56 وهوصنف من الموديمات يتوفرعلى صبيب مرتفع قد يصل إلى حدود Kbps 56 حسب معيار90 V أما الصبيب الحقيقي فقد كان في حدود Kbps 44 . وقد إقتصرفي تلك المرحلة على إستعمال الإنترنيت على عملية الإبحار(NAVIGATION ) وتبادل الرسائل الإلكترونية . وبالرغم من ذلك فإن الإرتياب والتوجس لم يمنع البعض من التشكيك في عدم قدرة الإنترنيت على إستيعاب كل هذا الضغط في خدمات الإستعمال. ووجهت أصابع الإتهام في بداية الأمرإلى رسائل ال(سبام) (Spam) وهي مجموعة من الرسائل الإلكترونية الفضولية ، الدخيلة التي عادة ما تتوافد من مصادرمجهولة ( أشخاص ـ شركات ـ مؤسسات ـ إعلانات ..إلخ) ، ثم هناك الفيروسات المعلوماتية ، وكل أنواع (السباسمات) التي لاتعمل سوى على إستنزاف (عرض الموجة) (Bande passante) والذي قد يتسبب تفاقمه في إحتقان الشبكة العنكبوتية في المستقبل .
وكما نلاحظ فإن ظاهرة (السبامات) لم تختف تماما من تدفق الرسائل الإلكترونية ، فمازالت تشكل حاليا أكثر من 90 ℅ من الرسائل الإلكترونية المتبادلة ، كما أن الفيروسات هي أيضا مازالت حاضرة وعدوانيتها باتت أخطرمما سبق ، لكن وبالرغم من كل هذا المشهد المزعج ، فإن شبكة الإنترنيت ماتزال تقوم بخدماتها المطلوبة وعلى الوجه الأكمل .
ومع بداية الألفية الثالثة والتوسع الباهرالذي عرفته الشبكة العنكبوتية باقتحامها للعديد من مجالات الإنشطة الإنسانية ظهرت الكثيرمن المقاولات الناشئة (Start-up ) التي طرحت خدمات جديدة على الإنترنيت .
إنها أيضا مرحلة الإشراقة الباهرة ل ( نابستير) ( Napster ) الذي تم إختراعه حوالي سنة 2002 وهو نوع من الخدمة الشبكية موجهة أساسا لتبادل الملفات الموسيقية التي يتم إطلاقها من طرف ShawnFannin .
كما تعددت المواقع الإلكترونية التي تلتهم الصبيب بشكل أكثربالإضافة إلى الملفات التي تعتمد الشبكة العنكبوتية في تبادلها .
هذا القلق والتوجس كانا قد خفتا لبعض الوقت غيرأن هدوء زوبعتهما لم يدم طويلا. وبتقدم الأبحاث التقنية والمعلوماتية ظهرت مرة أخرى تطبيقات (بيرتوبير) (P2P) وبمستوى أسوء مما سبق ، ليس لأنها قد مكنت من تبادل الملفات الموسيقية فحسب وإنما أيضا الأفلام والعديد من المحتويات الشرهة والمتوقفة على (عرض الموجة) (Band width) ما جعل الكثيرين يتوهمون أن شبكة الإنترنت لامحالة وبهذا المستوى من الإفراط ، مشرفة على انهيارحتمي ، وبالإضافة إلى هذه الصورة الدرامية برز نظام (الستريمين)(Streaming) وهونظام خاص بالتلقي المستمرعلى الإنترنيت مثل نظام (ميتيوكام) Meteocam والذي عرف نجاحا باهرا في السنتين الأخيرتين وهما (يوتوب) و( ديلي ميشن) . وما من شك في أن خدمتي الفيديو تينك ، تمكنان من عرض الآلاف من الفيديوهات الأكثرإلتهاما ل(عرض الموجة) (Band width) . ففي سنة 2006 بث موقع يوتوب مايناهز27 (بيتا أوكتي) (Petaoctets) أي مايربو عن 27 مليون (جيغا أوكتي) (Gigaoctets ) من المعطيات في الشهر الواحد وهي نسبة تعادل جميع ما تم عرضه وبثه من فيديوهات سنة 2000 .
ومنذ ذلك الحين تصاعدت وبشكل أسرع وتيرة إستغلال الشبكة العنكبوتية بلغت مايقرب من 2400 (بيتاأوكتي) في الشهرسنة 2006 .
إن هذا الإرتفاع في إستنزاف الشبكة النتية لايبدوأنه سوف يخف في الأمد القريب وذلك بسبب تعدد إستغلال التدفق المرتفع ، وقد قدرت مؤسسة (سيسكو) CISCO الرائد العالمي في الأبحاث والدراسات الشبكية والتي يوجد مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية ، قدرت بلوغ أكثر من 10700 (بيتاأوكتي) في الشهرالواحد سنة 2011 أي بنسبة مضاعفة أربع مرات مقارنة مع سنة 2006 .
لماذا إذن هذا الإرتفاع السريع في وتيرة الإستهلاك ؟ هل يتعلق الأمربارتفاع عدد المنخرطين الجدد في الصبيب المرتفع ؟ قد يكون لظهورالصبيب المرتفع (High-speed) سبب في ذلك ، غيرأننا نعتقد أن السبب الحقيقي لايعود إلى الإرتفاع المهول لعدد المنخرطين في هذا الصبيب المرتفع ولكنها من دون شك أسباب تعود إلى سلوكات وأساليب وأهداف الإستغلال التي يقوم بها المشتركون في الشبكة .
ويمكن تقسيم هذا الإرتفاع إلى ثلاث فئات :
ـ 1 ـ (البيرتوبير)(Peer to peer ) أو(P2P) والذي من المحتمل أن تتضاعف درجة إستهلاكه أربع مرات أكثرخلال سنة 2011 .
ـ 2 ـ إن (السترمين)(Streaming) سوف يواصل أيضا وتيرة إستغلاله ليصل في المستقبل القريب إلى نسبة 27 ℅ من نسبة إستهلاكه ل ( عرض الموجة) فيما لاتتعدى هذه النسبة اليوم 8 ℅ حاليا .
ـ 3 ـ إن الفيديوهات ذات الدرجة العالية من الدقة والتقنية هي التي سوف تعرف تصاعدا قويا في الإستغلال . فهذه الإمكانية التي تبدو هامشية ومنخفضة اليوم سوف تتضاعف عشرمرات في السنوات الثلاث القادمة لتصل إلى 1200 (بيتاأوكتي) في الشهر.
إن دمقرطة وتعميم الصبيب المرتفع سوف يتيح إستعمال الخدمات الشرهة على مستوى عرض الموجة (Band width) بل أكثر من هذا ففي المستقبل القريب سوف يكون بإمكان كل فرد في الأسرة أن يشاهد الفيلم الذي يفضله على جهازه المحمول ، ما يعني إتساع مساحة الإستهلاك الشبكي. إن دمقرطة وتعميم هذا الصبيب المرتفع (Debit) لاشك أنه سوف يكشف عن خدمات للتفاعل الشبكي مازلنا نجهلها اليوم ... بل إن سهولة إن لم نقل الإستعمال المبتذل (الفيزن كونفيرونس)(Vision conférences)
وهو نظام للمشاهدة والتحاورالآنيين وبدرجة أعلى من الدقة والصفاء قد تجعلنا نتخيل أن مستخدمي الشبكة العنكبوتية سوف يصيربإمكانهم بث أعمالهم الرقمية الخاصة وبنفس الدرجة من الدقة . كما أن إرتفاع التدفق سوف يمكن المشتركين من إنشاء قنواتهم التلفزية الخاصة وإشهارإبداعاتهم الرقمية وسهراتهم على البث المباشر.
فهل هذا المشهد المفترض يعد مدعاة ومبررا للتوجس من إحتقان محتمل للشبكة العنكبوتية بعد سنة 2010 ؟!
في رأي بعض المهتمين أنه بقدرما ترتفع طلبات الإشتراك والإستغلال بقدرما يصيرالإنترنيت مهدد لامحالة بالإحتقان إن لم نقل بالإمتلاء التام ، فالإستثمارات في البنيات التحتية تبدوأضعف مقارنة مع تصاعد وتيرة إستغلال الإنترنيت ، وكما يتوقع هؤلاء المهتمين أنه ونظرا لهذه الدرجة المفرطة في الإستغلال فلن يكون بمقدورالإنترنيت آداء وظيفته الكاملة في السنوات القليلة القادمة .
وسنقدم الآن بعض التوضيحات الهامة :
ـ تتكون شبكات الشركات المساهمة من ألياف ومن عناصر(ربط ـ داخلية) وخصوصا قنوات اللدائن لتمريرهذه الألياف . وبما أن توزيع هذه الألياف يتطلب تكلفة مالية باهضة فإن الشركات المستثمرة في هذا المجال تعمل على نشرهذه الألياف بعدد أوفرمما هو مطلوب أثناء إنشائها للقنوات وذلك من أجل تخفيض تكلفة التهيئة إذا ما دعا الأمرإلى ذلك في المستقبل . وبالنسبة للمساهمين فبمجرد ما يتم إنشاء شبكة ما فهي لاتتطلب أعمال صيانة كثيرة . فكل فواتيرتكلفة التجهيزيتم إستردادها بسرعة وفي بضع سنوات . وكمثال على ذلك فإن إنشاء شبكة من ألياف باهضة التكلفة قد تصل إلى ملايين الدولارات ، فقد يتم إسترداد تكلفتها في غضون 5 سنوات حتى لوكانت تسعرة إشتراكات الزبناء لاتتعدى 30 دولار في الشهر.
إن تطورشبكة ما من الشبكات ، نادرا ما يتطلب إعداد ألياف جديدة بل يتم الإعتماد على الألياف المعدة سابقا كما تمت الإشارة إلى ذلك من قبل . وبالإعتماد على التجهيزات الحالية فإن الفاعلين في الميدان غالبا مايستعملون الربط (Connexion) بمعيار10 Gbit/s في شبكاتهم الخاصة .
إن الشبكات الحالية قادرة وبشكل أقوى على إستيعاب تصاعد طلبات الخدمات النتية كما أن التكنولوجيات الجديدة للإتصال والمعلومات على إستعداد تام ودائم لتجاوزهذه المعيقات في الحاضروالمستقبل .
إن التوقعات السوداوية التي قدمها البعض ، هي توقعات وتخمينات لاتستند إلى حقائق قاطعة . صحيح أن هناك بعض الشبكات التي تتطلب يقظة خاصة ، والأمرهنا يتعلق بالروابط بين القارات (Intercontinentales) ، فهامش تطورها محدود كما أن الفاعلين في الميدان يتوجسون من الإستثمارلآن القليل من هذه الشبكات القارية من تقدم عروضا للإستثمار، إنها تدخل في إطارما يسمى ب(البيرينغ) (Peering ) أي تبادل الفاعلين فيما بينهم . إن ما يستثمرفي الشبكة سيعمل إيجابيا لصالح الفاعلين الآخرين أكثرمما سيعمل للشركات المستثمرة . ومن هنا يحدث عدم الإقبال والتحمس للعمل في هذا المجال على المستوى القاري ... فهل سيستمرون في تمويله نيابة عن فاعلين
الآخرين ؟!!
لكن إذا كان التبادل الشبكي بين الدول يتراجع فما من شك أن هذا سيكون لفترة قصيرة لأن الرهانات المستقبلية أكبر من كل شيء ... كما قد تعمل المجموعات العالمية العملاقة مثل غوغل وياهو وأمازون على الإستثمار في هذا المجال نظرا مداخيلها المالية الضخمة منه .
وأخيرا ألا يمكن أن يكون هذا التوجس والقلق من إحتمال إحتقان الإنترنيت بعد 2010 مجرد شماعة يعلق عليها الفاعلون في هذا الميدان مشاريعهم في المستقبل للرفع من فاتورة الإشتراكات ؟؟ ومن جانبنا نعتقد أنه لاخطر على شبكة الإنترنيت لافي المدى المتوسط أوالبعيد مادام أن الأبحاث الإنسانية في ميدان التقانة والتقنيات الجديدة للإعلام والإتصال قادرة على تجاوز كل الأخطارفي المستقبل كما كانت قادرة على تجاوزها في الماضي .
|